الجواب : قلنا : في هذه الآية وجوه أربعة :
أوّلها : أنّه لمّا كان هذا الوقت الذي أشار إليه هو أوّل أوقاته التي كشف فيها نفسه ، وأطلعهم على ما كان يستره عنهم من أمره ؛ أشار إلى الوقت الذي لو أراد الانتقام لأبتدأ به فيه ؛ والذي عفا فيه عنهم لم يراجع الانتقام.
وثانيها : أنّ يوسف عليهالسلام لمّا قدّم توبيخهم ، وعدّد عليهم قبيح ما فعلوه ، وعظيم ما ارتكبوه ـ وهو مع ذلك يستر عنهم نفسه ، ولا يفصح لهم بحاله ـ قال لهم عند تبين أمرهم : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢] ؛ أي قد انقطع عنكم توبيخي ، ومضى عذلي ولائمتي عند اعترافكم بالذنب ، وكان ذكر «اليوم» دلالة على انقطاع المعاقبة والتوبيخ ؛ وعلى أنّ الأوقات المتصلة باليوم تجري مجراه في زوال الغضب ، وتمام العفو ، وسقوط المواقفة لهم على ما سلف منهم.
وثالثها : أنّ ذكر «اليوم» المراد به الزمان والحين ، فوضع «اليوم» موضع الزّمان كلّه ، المشتمل على الليالي والأيام والشهور والسنين ؛ كما يقول العربي لغيره : «قد كنت تستحسن شرب الخمر فاليوم وفّقت لتركها ومقتها» ؛ يريد في هذا الزمان ، ولا يريد يوما واحدا بعينه ؛ ومثله : «قد كنت تقصّر في الجواب عن فنون العلم فاليوم ما تعجزك مسألة ، ولا تتوقّف عن مشكلة» ؛ يريد باليوم باقي الزمان كلّه ، وقال امرؤ القيس :
حلّت لي الخمر وكنت امرا |
|
عن شربها في شغل شاغل (١) |
فاليوم فاشرب غير مستحقب |
|
إثما من الله ولا واغل (٢) |
لم يقصد يوما بعينه ؛ ومثله :
__________________
(١) ديوانه : ١٥٠. وفي شرح الديوان : «كان حلف ألا يشرب خمرا ، ولا يأكل لحما ، ولا يغسل رأسا ؛ حتى يدرك بثأر أبيه ؛ وكذلك كانت العرب تفعل ؛ فلما أخذ بثأر أبيه شربها فبرت يمينه».
(٢) حاشية بعض النسخ (من نسخة) : «أشرب» بسكون الباء ؛ ورواية الديوان :
(فاليوم أسقى غير مستحقب)
المستحقب ؛ المكتسب للأثم الحامل له. والواغل : الذي يدخل على القوم وهم يشربون فيشرب معهم من غير دعوة.