قلنا : ظاهر الآية يقتضي ذلك ، وإنّما أدخلناه فيمن تجوز ذبائحه بدليل ؛ ولأنّ الصبي وإن لم يكن عارفا فليس بكافر ، ولا معتقد أنّ إلهه غير من يستحقّ العبادة على الحقيقة ، وإنّما هو خال من المعرفة ، فجاز أن يجري مجرى العارف متى ذبح وتلفّظ بالتسمية وهذا كلّه غير موجود في الكفار.
فإن اعترض علينا بقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) (١) وادّعي أنّ الطعام يدخل فيه ذبائح أهل الكتاب ، فالجواب عن ذلك أيضا أنّ أصحابنا يحملون قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) على ما يملكونه ممّا يؤكل من حبوب وغيرها ، وهذا تخصيص لا محالة ؛ لأنّ ما صنعوه طعاما من ذبائحهم يدخل تحت اللفظ ولا يجوز إخراجه إلّا بدليل.
فإذا قلنا : تخصيصه بقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ). قيل لنا : ليس أنتم بأن تخصّوا آيتنا بعموم آيتكم أولى منّا إذا خصصنا الآية التي تعلّقتم بها بعموم ظاهرها بالآية التي استدللنا بها.
والذي يجب أن يعتمد في الفرق بين الأمرين أنّه قد ثبت وجوب التسمية على الذبيحة ، وأنّ من تركها عامدا لا يكون مذكيا ، ولا يجوز أكل ذبيحته على وجه من الوجوه ، وكلّ من ذهب إلى هذا المذهب من الأمّة يذهب إلى تخصيص قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) وأنّ ذبائحهم لا تدخل تحته ، والتفرقة بين الامرين خلاف الاجماع ، ولا يلزم على ما ذكرناه أنّ أصحاب أبي حنيفة (٢) يوافقونا على وجوب التسمية وإن لم يخصصوا بالآية الاخرى ؛ لأنّا اشترطنا إيجاب التسمية مع الذكر على كلّ حال ، وعند أصحاب أبي حنيفة جائز أن يترك التسمية من أدّاه إجتهاده إلى ذلك ، أو استفتى من هذا حاله ، والإمامية يذهبون إلى أنّ التسمية مع الذكر لا تسقط في حال من الأحوال.
فإن قيل : على هذه الطريقة التي نعتمدها من الجمع بين المسألتين ما أنكرتم
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٥.
(٢) اختلاف الفقهاء (للطحاوي) ، ١ : ٦٢.