حتّى قال عمر بن الخطاب له : بخّ بخّ (١) أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ولا يجوز أن يريد بقوله «من كنت مولاه» إلّا ما تقتضيه مقدّمة الكلام ، وإلّا لم يكن لتقديمها فائدة ، فكأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : فمن كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به ، لتكون المقدّمة مطابقة لما تقدّم ذكره ، وما قصد إليه من الذكر بعد المقدّمة يكون مطابقا لها ، وقد علمنا أنه لم يرد بقوله : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» إلّا في الطاعة والاتباع والانقياد ، فيجب فيما عطف عليه أن يكون هذا مراده به ، وذلك لا يليق إلّا بالإمامة ، واستدلّ بعضهم بدلالة الحال في ذلك وهو أنه تعالى أنزل على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٢) فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ذلك في غدير خم بجمع أصحابه ، وقام وأخذ بيد أمير المؤمنين عليهالسلام فرفعها حتّى رأى قوم بياض إبطه ، وقال هذا القول مع كلام تقدّم أو تأخّر ، ولا يجوز أن يفعل ذلك إلّا لبيان أمر عظيم ، وذلك لا يليق إلّا بالإمامة التي فيها احياء معالم الدين دون سائر ما يذكر في هذا الباب ممّا يشركه فيه غيره ، وممّا قد بان وظهر من قبل.
وقال بعضهم في وجه الاستدلال بذلك انه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قال «من كنت مولاه فعليّ مولاه» لم يخل من أن يريد بذلك مالك الرق أو المعتق وابن العم أو يريد بذلك العاقبة ، كقوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٣) أي عاقبتكم أو يريد بذلك ما يليه خلفه أو قدامه لأنّه قد يراد ذلك بهذا اللفظ أو يراد بذلك مالك الطاعة ؛ لأن ذلك قد يراد بهذا اللفظ ، فإذا بطلت تلك الأقسام من حيث يعلم أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يرد مالك الرق ولا المعتق أو المعتق ، فيجب أن يكون هذا هو
__________________
(١) بخ ـ بوزن بل ـ كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وتكرّر للمبالغة فيقال : بخ بخ ، وإذا وصلت خفضت ونوّنت فيقال : بخ بخ وربّما شدّدت فيقال : بخّ ، والعجيب أنّها في المغني لخ لخ ، وعلّق عليها المحقق قائلا : «هكذا بالأصل» ولم يكلف نفسه عناء البحث عنها ، ولعلّه أمر مقصود لتضييع الحقيقة في هذه «اللخلخة».
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٦٧.
(٣) سورة الحديد ، الآية : ١٥.