المراد ومالك الطاعة لا يكون إلّا بمعنى الإمام ؛ لأن الإمامة مشتقة من الإئتمام به والائتمام هو الاتباع والاقتداء والانقياد ، فإذا وجبت طاعته فلا بدّ من أن يستحقّ هذا المعنى.
وفيهم من استدلّ بذلك بأن قال : إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال هذا القول ، فلو لم يرد به الإمامة على ما نقول لكان بأن يكون محيّرا لهم وملبسا عليهم أقرب من البيان والحال حال بيان ، فلا بدّ من حمله على ما ذكرناه ، وان يقال : إنّ القوم عرفوا قصده صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك ؛ لأنّهم لو لم يعرفوا مراده في إثبات الإمامة بما يقول لكان قوله هذا خارجا عن طريقة البيان ، وزعم أن الذي له قاله معروف بالتواتر ، وإنما كتمه بعضهم وعدل عنه بغضا ومعاداة» (١).
يقال له : الوجه المعتمد في الاستدلال بخبر الغدير على النصّ هو ما نرتبه فنقول : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استخرج من امّته بذلك المقام الاقرار بفرض طاعته ، ووجوب التصرّف بين أمره ونهيه ، بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟» وهذا القول وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فالمراد به التقرير ، وهو جار مجرى قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (٢) فلما أجابوه بالاعتراف والاقرار رفع بيد أمير المؤمنين عليهالسلام وقال عاطفا على ما تقدّم : «فمن كنت مولاه فهذا مولاه» وفي روايات أخرى «فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فأتى عليهالسلام بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدّمها وإن كان محتملا لغيره ، فوجب أن يريد بها المعنى المتقدّم الذي قرّرهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم ، وإذا ثبت أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير المؤمنين عليهالسلام أولى بالإمامة من أنفسهم ، فقد أوجب له الإمامة ؛ لأنّه لا يكون أولى بهم من أنفسهم إلّا فيما يقتضي فرض طاعته عليهم ، ونفوذ أمره ونهيه فيهم ، ولن يكون كذلك إلّا من كان إماما.
فإن قال : دلّوا على صحة الخبر ، ثم على أن لفظة «مولى» محتملة لأولى ،
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٤٤.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٧٢.