وأنه أحد أقسام ما يحتمله ، ثم على أن المراد بهذه اللفظة في الخبر هو الأولى دون سائر الأقسام ، ثم على أن الأولى يفيد معنى الإمامة.
قيل له : أما الدلالة على صحّة هذا الخبر فما يطالب بها إلّا متعنّت لظهوره وانتشاره ، وحصول العلم لكل من سمع الاخبار به ، وما المطالب بتصحيح خبر الغدير ، والدلالة عليه ، إلّا كالمطالب بتصحيح غزوات الرسول الظاهرة المشهورة ، وأحواله المعروفة ، وحجّة الوداع نفسها ؛ لأن ظهور الجميع ، وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد ، فإن الشيعة قاطبة تنقله وتتواتر به ، وأكثر رواة أصحاب الحديث يروونه بالأسانيد المتّصلة ، وجميع أصحاب السير ينقلونه ويتلقونه عن أسلافهم خلفا عن سلف ، نقلا بغير إسناد مخصوص ، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة ، وقد أورده مصنفوا الحديث في جملة الصحيح ، فقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار ، لأن الأخبار على ضربين :
أحدهما : لا يعتبر في نقله الأسانيد المتّصلة ، كالخبر عن وقعة بدر وحنين والجمل وصفين ، وما جرى مجرى ذلك من الأمور الظاهرة التي نقلها الناس قرنا بعد قرن بغير إسناد معين وطريق مخصوص.
والضرب الآخر : يعتبر فيه اتصال الأسانيد ، كأكثر أخبار الشريعة ، وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان معا مع تفرقهما في غيره من الأخبار ، على أن ما اعتبر في نقله من أخبار الشريعة اتصال الأسانيد لو فتّشت جميعه لم تجد رواته إلّا الآحاد ، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتّصلة الجمع الكثير ، فمزيّته ظاهرة ، وممّا يدلّ على صحّة الخبر إطباق علماء الأمّة على قبوله ، ولا شبهة فيما ادّعيناه من الإطباق ؛ لأن الشيعة جعلته الحجّة في النصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام بالإمامة ، ومخالفوا الشيعة تأولوه على خلاف الإمامة على اختلاف تأويلاتهم ، فمنهم من يقول : انه يقتضي كونه الأفضل ، ومنهم من يقول : إنه يقتضي موالاته على الظاهر والباطن ، وآخرون يذهبون فيه إلى ولاء