العتق ، ويجعلون سببه ما وقع من زيد بن حارثة وابنه اسامة من المشاجرة ، إلى غير ما ذكرناه من ضروب التأويلات والاعتقادات.
وما نعلم أن فرقة من فرق الأمة ردّت هذا الخبر ، واعتقدت بطلانه ، وامتنعت من قبوله ، وما تجمع الأمة عليه لا يكون إلّا حقّا عندنا وعند مخالفينا ، وإن اختلفنا في العلّة والاستدلال.
فإن قال : فما في تأويل مخالفيكم للخبر ما يدلّ على تقبلهم له ، أو ليس قد يتأول المتكلّمون كثيرا ممّا يقبلونه ، كأخبار المشبّهة وأصحاب الرؤية؟ فما المانع من أن يكون في الأمة من يعتقد بطلانه أو يشك في صحّته.
قيل له : ليس يجوز أن يتأوّل أحد من المتكلّمين خبرا يعتقد بطلانه ، أو يشك في صحّته ، إلّا بعد أن يبيّن ذلك من حاله ويدلّ على بطلان الخبر أو على فقد ما يقتضي صحّته ، ولم نجد مخالفي الشيعة في ماض ولا مستقبل يستعملون في تأويل خبر الغدير إلّا ما يستعمله المتقبل ؛ لأنا لا نعلم أحدا منهم يعتدّ بمثله قدم الكلام في إبطاله ، والدفع له امام تأويله ؛ ولو كانوا أو بعضهم يعتقدون بطلانه أو يشكّون في صحّته لوجب مع ما نعلمه من توفر دواعيهم إلى ردّ احتجاج الشيعة به ، وحرصهم على دفع ما يجعلونه الذريعة إلى تثبيته أن يظهر عنهم دفعه سالفا وآنفا ، ويشيع الكلام منهم في دفع الخبر كما شاع كلامهم في تأويله ؛ لأن دفعه أسهل من تأويله ، وأقوى في إبطال التعلّق به ، وأنفى للشبهة.
فإن قال : أليس قد حكي عن ابن أبي داود السجستاني (١) دفع الخبر ،
__________________
(١) هو أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، ولد بسجستان ولاية واسعة من كور خراسان ـ سنة ٢٣٠ وطاف مع أبيه ، أبي داود (صاحب السنن المشهور) في كثير من البلدان ، وحضر معه على شيوخه ثم نزل بغداد أخيرا ، فكان من كبار الحفاظ فيها ، إلى حدّ أن قيل : إنه أحفظ من أبيه ، كان يتّهم بالانحراف عن عليّ والميل عليه ، فأراد أن يدفع عنه هذه الشبهة فجعل يقرأ على الناس فضائل عليّ عليهالسلام إلى درجة أن ابن جرير الطبري استغرب ذلك لما بلغه فقال : «تكبيرة من حارس» وروى عنه أنه كان يقول : «كل من كان بيني وبينه شيء أو ذكرني بشيء فهو في حلّ إلّا من رماني ببغض عليّ بن أبي طالب» كفّ بصره أخيرا وتوفي ببغداد سنة ٣١٦ ودفن فيها ، له كتب منها التفسير والسنن والمسند ، والناسخ والمنسوخ (انظر تاريخ بغداد ٩ من ص ٤٦٤ ـ ٤٦٨ ، ومعجم البلدان : ١٣ / ١٩٠).