وحكى مثله عن الخوارج ، وطعن الجاحظ في كتاب «العثمانية» (١) فيه.
قيل له : أوّل ما نقوله : إنه لا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذ عنه ، بل الواجب أن يعلم أن الذي خرج عنه ممن يعتبر قول مثله في الإجماع ثم يعلم أن الإجماع لم يتقدّم خلافه ، فابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع ، خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع ، وفقد الخلاف ، وقد سبقهما ثم تأخّر عنهما.
على أنّه قد قيل : إن ابن أبي داود لم ينكر الخبر ، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خمّ متقدّما ، وقد حكي عنه التنصّل من القدح في الخبر ، والتبرّي ممّا قذفه به محمّد بن جرير الطبري. والجاحظ أيضا لم يتجاسر على التصريح بدفع الخبر ، وإنّما طعن في بعض رواته ، وادعى اختلاف ما نقل من لفظه ، ولو صرّحا وأمثالهما بالخلاف لم يكن قادحا لما قدّمناه.
أمّا الخوارج فما يقدر أحد على أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر ، أو امتناعا من قبوله ، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة وهي خالية مما ادّعي ، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفضيل وما جرى مجراه من ضروب تأويل مخالفي الشيعة ، وإنما آنس (٢) بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر منهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليهالسلام فظنّ أن رجوعهم عن ولايته يقتضي أن يكونوا جاحدين لفضائله ومناقبه ، وقد أبعد هذا المدّعي غاية البعد ؛ لأن انحراف الخوارج إنما كان بعد التحكيم للسبب المعروف ، وإلّا فاعتقادهم لإمامة أمير المؤمنين عليهالسلام وفضله وتقدّمه قد كان ظاهرا ، وهم على
__________________
(١) العثمانية من رسائل الجاحظ ، وقد نقضه أبو جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي المتوفّى سنة ٢٤٠ ه وهو من أكابر علماء المعتزلة ومتكلميهم صنف سبعين كتابا في الكلام ومن كتبه كتاب «المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام ونقض العثمانية» وقد لخص ابن أبي الحديد العثمانية ونقضها في شرح نهج البلاغة م ٣ / ٢٥٤ كما أن لابن أبي الحديد نقض عليها أيضا أشار إليه في م ١ / ١١٣ بقوله عن معاوية «وقد ذكرنا في «نقض العثمانية» على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه» الخ.
(٢) آنس ـ بالمدّ وهي هنا بمعنى أبصر.