نفي الجناح عنه ، فأشرنا إلى إضمار ما تقدّم ذكره حتّى يصحّ الشرط ، ويطابق المشروط ، لأنّ من اتّقى الحرام فيما يطعم لا جناح عليه فيما يطعم ؛ لكنّه قد يصحّ أن يثبت عليه الجناح فيما أخلّ به من واجب ، وضيّعه من فرض ، فإذا شرطنا أنّه مع اتّقاء القبيح ممّن آمن بالله وبما أوجب عليه الإيمان به ، وعمل الصالحات ارتفع الجناح عنه من كلّ وجه.
وليس بمنكر حذف ما قدّرناه لدلالة الكلام عليه ، فمن عادتهم أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى ، وتكون قوّة الدلالة عليه وسوقها إليه مغنيين عن النطق به. وفي القرآن وفصيح كلام العرب وأشعارهم أمثلة كثيرة لذلك لا تحصى ، فمنه قوله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) (١) ؛ فقد ذكر في الآية وجوه ؛ من أوضحها أنّه تعالى أراد «آتينا موسى الكتاب ومحمّدا الفرقان» لأنّه لما عطف الفرقان على الكتاب الذي أوتيه موسى عليهالسلام ، وعلمنا أنّه لا يليق به ـ لأنّ الفرقان ليس ممّا أوتيه موسى عليهالسلام ـ وجب أن نقدّر ما يطابق ذلك.
ومثله قوله الشاعر :
تراه كأنّ الله يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه بات له وفر (٢) |
لمّا كان الجدع لا يليق بالعين ـ وإن كانت معطوفة على الأنف الذي يليق به الجذع ـ أضمرنا ما يليق بالعين ، وهو البخص وما يجري مجراه.
ومثله :
يا ليت زوجك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
ومثله :
علفتها تبنا وماء باردا (٣)
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٥٣.
(٢) حاشية بعض النسخ : «كان له وفر» ، والبيت في (الحيوان ٦ / ٤٠) ؛ ونسبه إلى خالد بن الطيفان.
(٣) بقيته : حتى شتت همّالة عيناها.
وهو من شواهد ابن عقيل ١ / ٥٢٤.