بعجز الرّأل ؛ وقال الآخر (١) :
لا يغمز السّاق من أين ولا وصب |
|
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر |
أراد : ليس بساقه أين ولا وصب فيغمزهما من أجلهما ؛ وقال سويد بن أبي كاهل :
من أناس ليس من أخلاقهم |
|
عاجل الفحش ولا سوء الجزع (٢) |
لم يرد أنّ في أخلاقهم فحشا آجلا ولا جزعا ؛ وإنّما أراد نفي الفحش والجزع عن أخلاقهم. ومثل ذلك قولهم : فلان غير سريع إلى الخنا ، وهم يريدون أنّه لا يقرب الخنا ، لا نفى الإسراع حسب. وقال الفرزدق وهو يهجو جعفر بن كلاب ، ويعيّرهم بقتلى منهم أصيبوا في حروبهم ، فحملت النساء هؤلاء القتلى حتى أتين بهم الحيّ (٣) :
ولم تأت عير أهلها بالّذي أتت |
|
به جعفرا يوم الهضيبات عيرها (٤) |
أتتهم بعير لم تكن هجرية |
|
ولا حنطة الشام المزيت خميرها |
يعني أنّ العير إنّما تحمل التمر والطعام إلى الحي ، فحملت عير هؤلاء القتلى ، وقوله : «لم تكن هجريّة» أي لم تحمل التمر ، وذلك لكثرة التمر بهجر ، ثمّ قال : «ولا حنطة الشام المزيت خميرها» ، ولم يرد أنّ هناك حنطة ليس في خميرها زيت ؛ لكنّه أراد أنّها لم تحمل تمرا ولا حنطة ، ثمّ وصف الحنطة بما يجعل في خميرها من الزيت.
وعلى هذا يقع تأويل الآيات الّتي وقع السؤال عنها ، لأنّه تعالى لمّا قال :
__________________
(١) وفي ملحقات ديوان الأعشى ٦٨ :
لا يتأرى لما في القدر يرقبه |
|
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر |
لا يغمز السّاق من أين ولا وصب |
|
ولا يزال أمام القوم يقتفر |
(٢) المفضليات : ١٩٥.
(٣) ديوانه : ٤٥٩ / ٢.
(٤) الهضيبات : موضع كان فيه يوم من أيام العرب ؛ هو يوم طخفة ؛ ذكره البكري في معجم ما استعجم : ١٣٥٤ ، وأورد البيت.