الكرب عن وجه الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو الذي لم يحجم قط عن قرن ، ولا نكص عن هول ، ولا ولّى الدبر ، وهذه حال لم يسلم لأحد قبله ولا بعده ، وكان عليهالسلام للاختصاص بالآية أولى ؛ لمطابقة أوصافه لمعناها ، وقد ادّعى قوم من أهل الغباوة والعناد أن قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المراد به أبو بكر من حيث قاتل أهل الردّة.
ولسنا نعرف قولا أبعد من الصواب من هذا القول ، حتّى أنه ليكاد أن يعلم بطلانه ضرورة ؛ لأن الله تعالى إذا كان قد وصف من أراده بالآية بالعزة على الكافرين ، وبالجهاد في سبيله مع اطراح خوف اللوم ، كيف يجوز أن يظن عاقل توجّه الآية إلى من لم يكن له حظ من ذلك الوصف؟ لأنّ المعلوم أن أبا بكر لم يكن له نكاية في المشركين ، ولا قتيل في الاسلام ، ولا وقف في شيء من حروب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم موقف أهل البأس والعناء ، بل كان الفرار سنّته والهرب ديدنه ، وقد انهزم عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جملة المنهزمين في مقام بعد مقام ، وكيف يوصف بالجهاد في سبيل الله على الوجه المذكور في الآية من لا جهاد له جملة ، وهل العدول بالآية عن أمير المؤمنين عليهالسلام مع العلم الحاصل لكل أحد بموافقة أوصافه بها إلى أبي بكر إلّا عصبيّة ظاهرة ، وانحراف شديد.
وقد روي نزولها في قتال أمير المؤمنين عليهالسلام أهل البصرة عنه عليهالسلام نفسه ، وعن عبد الله بن عباس. وعمار بن ياسر رضي الله عنهما وإذا عضد ما ذكرناه من مقتضى الآية الرواية زالت الشبهة ، وقويت الحجّة على أن صاحب الكتاب قد وهم في الحكاية عن أبي مسلم ، وحكى عنه ما لم يقله ، ولا يقتضيه صريح قوله ولا معناه ؛ لأن الذي قاله أبو مسلم بعد إنشاد البيت : «والذي وصفهم به من الركوع في هذا المعنى هو الذي وصف به من أوعد المرتدين بالإتيان بهم بدلا منهم من الذلة على المؤمنين ، والعزّة على الكافرين» هذه ألفاظه بعينها في كتابه في تفسير القرآن ؛ وهي بخلاف حكاية صاحب الكتاب ؛ لأن أبا مسلم جعل الوصف في الآيتين واحدا ، ولم يقل : ان الموصوف واحد ، وصاحب الكتاب حكى عنه