أن لفظ الجمع قد يستعمل في الواحد بالعرف ، فليس لمتعلق أن يتعلّق بلفظ الآية في دفع اختصاصها به عليهالسلام ومما يقوي هذا التأويل أن الله تعالى وصف من عناه بالآية بأوصاف وجدنا أمير المؤمنين عليهالسلام مستكملا لها بالاجماع ؛ لأنّه تعالى قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) وقد شهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمير المؤمنين عليهالسلام بما يوافق لفظ الآية في الخبر الذي لا يختلف فيه اثنان حين قال صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد ندبه لفتح خيبر بعد فرار من فرّ عنها واحدا بعد آخر : «لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح الله على يديه» (٢) فدفعها إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فكان من ظفره وفتحه ما وافق خبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ قال تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) فوصف من عناه بالتواضع للمؤمنين والرفق بهم ، والعزيز على الكافرين هو الممتنع من أن ينالوه مع شدّة نكايته فيهم ووطأته عليهم ، وهذه أوصاف أمير المؤمنين عليهالسلام لا يدانى فيها ولا يقارب ، ثم قال : (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) فوصف جلّ اسمه من عناه بقوة الجهاد ، وبما يقتضي الغاية فيه.
وقد علمنا أن أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بين رجلين رجل لا غناء له في الحرب ولا جهاد ، وآخر له جهاد وغناء ، ونحن نعلم قصور كلّ مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين في الجهاد ، وأنهم مع علوّ منزلتهم في الشجاعة وصدق البأس لا يلحقون منزلته ، ولا يقاربون رتبته ؛ لأنّه عليهالسلام المعروف بتفريج الغمّ ، وكشف
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٥٤.
(٢) حديث الراية رواه عامّة علماء الحديث والسير نذكر منهم البخاري ج ٤ / ١٢ في كتاب الجهاد والسير ، باب ما قيل في لواء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي باب فضل من أسلم على يديه وص ٢٠ وج ٤ / ٢٠٧ في كتاب بدأ الخلق باب مناقب عليّ بن أبي طالب وج ٥ / ٧٦ كتاب المغازي باب غزوة خيبر ومسلم ج ٧ / ١٢١ و ١٢٢ في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب وج ٥ / ١٩٥ في كتاب الجهاد والسير في باب غزوة ذي قرد وغيرها. والترمذي ج ٢ / ٣٠٠ والإمام أحمد في المسند ج ١ / ٩٩ و ٣٢٠ وج ٢ / ٣٨٢. وج ٤ / ٥١ وج ٥ / ٣٥٣ ، والنسائي ص ٥ وفي مواضع أخرى من خصائص أمير المؤمنين الخ.