وقلنا : إن الخطاب أفاد الوصف لمن عني بلفظ (وَالَّذِينَ آمَنُوا) والتمييز له عن سواء ، فكأنّه تعالى قال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الذين يصلون ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم ليتميّز المذكور الأول ، مع أن فعله عليهالسلام لا بدّ أن يكون واقعا على نهاية القربة لما حصل عليه من المدح ، ويشبه ما تأولنا عليه الآية قول أحد ملوكنا مقبلا على أصحابه : أفضلكم عندي وأكرمكم لديّ من نصرني في غرّة شهر كذا ، وهو راكب فرسا من صفته كذا ، وأشار إلى فعل مخصوص وقع من بعض أصحابه على وجه ارتضاه وعظمت منزلته به عنده ، ونحن نعلم أن قوله لا يقتضي أن لغرّة الشهر والأوصاف التي وصف ناصره بها تأثيرا في قوة نصرته ؛ حتى يكون ذلك جهة وطريقة يقصد إليها من أراد نصرته ، وقد تقدّم أن حقيقة الركوع ما ذكرناه ، وأنه يستعمل في الخضوع وما يجري مجراه على سبيل المجاز ، والبيت الذي أنشده مما يجوّز فيه شاعر ، والمجاز لا يقاس عليه.
فأمّا قوله : حاكيا عن أبي مسلم بن بحر : «أن الذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الذين وصفهم من قبل بأنه يبدل المرتدين بهم» فغير صحيح ؛ لأنّه غير منكر (١) أن يكون الموصوف بإحدى الآيتين غير الموصوف بالآية الأخرى حتى تكون الآية التي دلّلنا على اختصاصها بأمير المؤمنين عليهالسلام على ما حكمناه به من خصوصها ، والآية الأولى عامة في جماعة من المؤمنين ، وليس يمنع من ذلك نسق الكلام وقرب كلّ واحدة من الآيتين من صاحبها ؛ لأن تقارب آيات كثيرة من القرآن مع اختلاف القصص والمعاني والأحكام معلوم ظاهر ، وهو أكثر من أن يذكر له شاهدا.
وإذا كنّا قد دلّلنا على أن لفظة قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) يدل على اختصاص أمير المؤمنين عليهالسلام بالآية فليس يسوّغ أن يترك ما تقتضيه الدلالة لما يظن أن نسق الكلام وقرب بعضه من بعض يقتضيه ، على أنه لا مانع لنا من أن نجعل الآية الأولى متوجهة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ومختصة به أيضا ؛ لأنّا قد بيّنا
__________________
(١) في نسخة «غير ممتنع».