وليس يمتنع عند من أنعم النظر أن يكون الخطاب متوجّها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس إذا كان الشكّ لا يجوز عليه لم يحسن أن يقال له : إن شككت فافعل كذا ، كما قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) ، ومعلوم أنّ الشرك لا يجوز عليه.
ولا خلاف بين العلماء في أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم داخل في ظاهر آيات الوعيد والوعد ، وإن كان لا يجوز أن يقع منه ما يستحقّ به من العقاب. وإن قيل له : إن أذنبت عوقبت ؛ فهكذا لا يمتنع أن يقال له : إن شككت فافعل كذا وكذا ؛ وإن كان ممّن لا يشكّ.
ووجدت بعض المفسّرين يجعل «إنّ» هاهنا بمعنى «ما» التي للجحد ، ويكون تقدير الكلام : ما كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك ، واستشهد على ذلك بقوله تعالى : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٢) ، أي ما نحن ، وقوله تعالى : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٣) ؛ أي ما أنت إلّا نذير ، ولا شكّ ولا شبهة في أنّ لفظة «إن» قد تكون بمعنى «ما» في بعض المواضع ؛ إلّا أنّه لا يليق بهذا الموضع أن تكون (إِنْ) بمعنى «ما» ؛ لأنّه لا يجوز أن يقول تعالى : ما أنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك ؛ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب ؛ لأن العالم لا حاجة به إلى المسألة ؛ وإنّما يحتاج أن يسأل الشاكّ.
غير أنّه يمكن نصرة هذا الجواب بأنّه تعالى لو أمره بسؤال أهل الكتاب من غير أن ينفي شكّه لأوهم أمره بالسؤال أنّه شاكّ في صدقه ، وصحّه ما أنزل عليه ، فقدّم كلاما يقتضي نفي الشكّ عنه فيما أنزل عليه ، ليعلم أنّ أمره بالسؤال ليزول الشكّ عن غيره ، لا عنه.
فأمّا الذين أمر بمسألتهم فقد قيل إنّهم المؤمنون من أهل الكتاب ، الراجعون إلى الحقّ ؛ ككعب الأحبار ، ومن جرى مجراه ممّن أسلم بعد اليهودية ، لأنّ هؤلاء لا يصدّقون عمّا شاهدوه في كتبهم من صفات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والبشارة به ؛ وإن كان غيرهم ممّن أقام على الكفر والباطل لا يصدق عن ذلك.
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٦٥.
(٢) سورة إبراهيم ، الآية : ١١.
(٣) سورة فاطر ، الآية : ٢٣.