مكلّفا ، فكيف يستحقّ العذاب؟ وهذا بالضدّ من الخبر المرويّ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «أكثر أهل الجنة البله».
الجواب : يقال له في قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) وجوه :
منها : أن يكون الإذن الأمر ، ويكون معنى الكلام : إنّ الإيمان لا يقع إلّا بعد أن يأذن الله فيه ، ويأمر به ، ولا يكون معناه ما ظنّه السائل من أنّه لا يكون للفاعل فعله إلّا بإذنه ، ويجري هذا مجرى قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (١).
ومعلوم أنّ معنى قوله : ليس لها في هذه الآية هو ما ذكرناه ، وإن كان الأشبه في هذه الآية التي فيها ذكر الموت أن يكون المراد بالإذن العلم.
ومنها : أن يكون الإذن هو التوفيق والتيسير والتسهيل ، ولا شبهة في أنّ الله يوفّق لفعل الإيمان ويلطف فيه ، ويسهّل السبيل إليه.
ومنها : أن يكون الإذن العلم من قولهم : أذنت لكذا وكذا إذا سمعته وعلمته ، وأذنت فلانا بكذا إذا أعلمته ؛ فتكون فائدة الآية الإخبار عن علمه تعالى بسائر الكائنات ، فإنّه ممّن لا يخفي عليه الخفيّات. وقد أنكر بعض من لا بصيرة له أن يكون الإذن (بكسر الألف وتسكين الذال) عبارة عن العلم ، وزعم أن الذي هو العلم الأذن (بالتحريك) ، واستشهد بقول الشاعر (٢) :
إنّ همّي في سماع وأذن
وليس الأمر على ما توهّمه هذا المتوهّم ، لأنّ الأذن هو المصدر ، والإذن هو اسم الفعل ؛ فيجري مجرى الحذر في أنه مصدر ؛ والحذر (بالتسكين) الاسم على أنّه لو لم يكن مسموعا إلّا الأذن (بالتحريك) لجاز التسكين ، مثل مثل ومثل وشبه وشبه ونظائر ذلك كثيرة.
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.
(٢) هو عدي بن زيد العبادي ؛ وتمام البيت هكذا : ايّها القلب تعلّل بددن ...