وقال الحماسيّ ، في التّشديد ، وهو أنصف شعر قيل (١) : [من الطويل]
فلم أر مثل الحيّ حيا مصبّحا |
|
ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا |
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم |
|
وأضرب منّا بالسيوف القوانسا |
ص ب ر :
قوله تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ)(٢). الصبر في الأصل : الحبس. ومنه قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ)(٣) أي احبسها. وقال قطريّ بن الفجاءه (٤) : [من الوافر]
فصبرا في مجال الموت صبرا |
|
فما نيل الخلود بمستطاع |
أي احبس نفسك في موطن الحرب. فأقام المصدر مقام فعله ، وكذا : (اصْبِرُوا وَصابِرُوا)(٥) أي احبسوا أنفسكم عن شهواتها. فالصبر : حبس النّفس عن الشّهوات وعلى امتثال المأمورات واجتناب المنهيّات. وقيل : الصّبر : الإمساك في ضيق. صبرت الدابّة : أمسكتها للعلف. فقال بعضهم : الصّبر : حبس النفس عمّا يقتضيه العقل والشرع عما يقتضيان حبسها عنه. قال : فالصبر لفظ عامّ ، وربّما خولف بين أسمائه بسبب اختلاف مواقعه ؛ فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبرا لا غير ، ويضادّه : الجزع ، وهو المراد بقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) الآية (٦) ، (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٧). وإن كان في حرب سمي شجاعة ، ويضادّه : الجبن. وإن كان في نائبة مضجرة سمي رجب الصّدر ، ويضادّه : الضّجر. وإن كان في إمساك كلام سمي كتمانا ، ويضادّه : المذل. وقد سمّى الله تعالى كلّ ذلك صبرا. ونبّه عليه بقوله :
__________________
(١) البيتان مطلع لقصيدة للعباس بن مرداس ، والأبيات تعدّ من المنصفات (الحماسة : ١ ٤٤٠).
(٢) ٤٣ الشورى : ٤٢.
(٣) ٢٨ الكهف : ١٨.
(٤) البيت من شواهد أوضح المسالك : ٢ ٣٩. وفي الأصل : على مجال ، وهو وهم.
(٥) ٢٠٠ آل عمران : ٣.
(٦) ١٥٤ و ١٥٥ البقرة : ٢.
(٧) ١٠ الزمر : ٣٩.