بهم إلى يوم توقد النار ذات حمى شديد عليها ، وأصله يحمى بالنار فجعل الأحماء للنار مبالغة ثمّ غير الكلام بحذف النار وإسناد الفعل إلى الجارّ والمجرور تنبيها على المقصود فانتقل الفعل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير ، والضمير إمّا للكنوز أو للفضّة كما عرفت.
(فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) تخصيص المواضع الثلاثة مع أنّ الكيّ شامل لجميع أبدانهم إمّا لأنّ جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعّم بالمطاعم [الشهيّة] والملابس البهيّة أى لهذه الثلاثة.
وإمّا لأنّ صاحب المال إذا رأى الفقير قبض وجهه ، وزوى ما بين عينيه ، وطوى كشحه ، وولّاه ظهره ، فالإعراض يحصل بها وإمّا لأنّ المراد بالجباه هنا الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة الّتي هي الدماغ والقلب والكبد.
(هذا ما كَنَزْتُمْ) أى يقال لهم حال الكيّ أو بعده هذا جزاء ما ادّخر تموه (لِأَنْفُسِكُمْ) لمنفعتها ، ولم تؤدّوا حقّ الله منها ، وكان في الواقع عين مضرّتها وسبب تعذيبها (فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) أي وباله ، وذوقوا العذاب بسبب كنزكم ومنعكم حقّ الله وحذف للظهور.
وظاهر الآية تحريم الكنز ، وترتّب الوعيد عليه وهو محمول على الكنز بدون إنفاق الواجب كما أشرنا إليه ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «من ترك صفراء أو بيضاء كوي بهما» (١) ونحوه محمول على ما إذا لم يؤدّوا الحقّ الواجب ، فلا حاجة إلى ما ذكره بعضهم من أنّ الآية دلّت على تحريم الكنز وعدم الإنفاق لكن نسخ ذلك بآية الزكاة ، لأنّ النسخ خلاف الأصل فلا يصار إليه إلّا بموجب قوىّ.
__________________
(١) انظر الدر المنثور ج ٣ ص ٢٣٣ اخرج عن أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وابن مردويه عن ثوبان قال : كان نصل سيف أبي هريرة من فضة فقال له أبو ذر أما سمعت رسول الله (ص) يقول : ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء الا كوى بهما؟ وانظر في تفسير الآية تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي مد ظله من ص ٢٦٠ الى ٢٧٧ ج ١٠ ففيها مباحث مفيدة جدا فراجع.