البعيد ، وهو هنا التمتّع لا وجوب الهدي والصّوم إذا عجز عنه ، فإنّه متوسّط في الكلام ، وقد وافقنا على ذلك جماعة من العامّة وحكم الشافعيّة برجوعه إلى الهدي أو الصّوم مع العجز عنه.
وعلّله القاضي بأنّه أقرب ، وفيه نظر فانّ ذلك إشارة إلى البعيد ، وقد صرّح النّحاة بذلك ، وفصّلوا بينه وبين الرجوع إلى البعيد والمتوسّط في الإشارة فقالوا في القريب ذا وفي المتوسّط ذاك ، وفي البعيد ذلك كما يعلم من كلامهم.
ومقتضى قول الشافعيّة وأضرابهم أنّ التمتّع جائز لأهل مكّة ، ولكن لا يلزمهم الهدي ، ويكون التمتّع بلا هدي عندهم.
[قالوا وإنّما لزم الهدي الآفاقيّ لأنّه كان من الواجب عليه أن يحرم بالحجّ من الميقات ، فلمّا أحرم من الميقات بالعمرة ثمّ أحرم بالحجّ لا عن الميقات كان فيه نقص فجبر بالهدي] (١).
وهو قول الشيخ في الخلاف وأكثر أصحابنا على خلافه لما قلناه ، وللرّوايات الكثيرة الدالّة على ذلك كصحيحة (٢) عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال لا يصلح لأهل مكّة أن يتمتّعوا لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ونحوها من الأخبار ، وعلى هذا فالواجب على أهل مكّة وحاضريها القران أو الإفراد ، فلو تمتّعوا لم يجزهم عن فرضهم ولو أوقعوا التمتّع ندبا لزمهم الهدي أو الصّوم على الوجه السّابق ، وأبو حنيفة وإن أرجع ذلك إلى التمتّع ، وحكم بأنّه لا متعة لحاضري المسجد الحرام إلّا أنّه أوجب الدم جناية لو تمتّعوا ، فلا يجوز الأكل منه ، بخلاف التمتّع من الآفاق ، وكلّ هذا خلاف الظاهر من الآية بل الظاهر ما قلناه.
__________________
(١) ما بين العلامتين من مختصات نسخة سن.
(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢ الرقم ٩٧ والاستبصار ج ٢ ص ١٥٧ الرقم ٥١٥ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٣٣٢ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ٧٥ والوسائل الباب ٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢ ج ٢ ص ١٦٧ ط الأميري.