والعدل ونحوها تصريح بذلك ، فيكون كاثبات الشّيء ببيّنة وبرهان.
وفي الكشاف حثّ الله تعالى على الخير عقيب النهي عن الشرّ ، وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ، ومكان الفسوق البرّ والتّقوى ، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتّى لا يوجد منهم ما نهوا عنه ويؤيّده قوله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتّقاء القبائح والمعاصي ، فإنّ خير الزّاد اتّقاؤها انتهى ، والتعميم أولى ، والآية تؤيّده أيضا فإنّ التّقوى فعل الطّاعات وترك المعاصي ، ولا يبعد كون الخطاب للعموم وإن كان بعد ذكر الحاجّ الفارض للحجّ.
ولعلّ إيراد ذلك عقيبه للتّنبيه (١) على أنّ الإنسان مسافر من الدّنيا إلى الآخرة فليتزوّد إليها بالطّاعة فإنّ الحاجّ إذا كان مع سفره القصير لا بدّ له من أن يأخذ زادا لذلك السّفر ، وأنّه إذا لم يأخذه هلك من الجوع ، فما ظنّك بالسّفر الطّويل البعيد ، فانّ احتياجه إلى الزّاد أهمّ (٢). وبيّن تعالى أنّ الزّاد النّافع في ذلك الطّريق هو التّقوى ، وفي إيراد الجملة مؤكّدة بانّ وتعريف الخبر باللّام تنبيه على أنّ الحكم كذلك على التحقيق ، فلا يدخل في قلب أحد الشكّ فيه.
وقيل : إنّ الآية نزلت في أهل اليمن (٣) كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون
__________________
(١) وفي سن : على أن الإنسان له سفران : سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، فالسفر من الدنيا لا بد له من زاد وهو الطعام والشراب والمركب والمال ، والسفر من الدنيا لا بد فيه أيضا من زاد وهو معرفة الله ومحبته والاعراض عما سواه وإذا كان الإنسان مسافرا من الدنيا الى الآخرة فليتزود إلخ.
(٢) وزاد في سن : [بل نقول زاد الآخرة خير من زاد الدنيا لان زاد الآخرة يخلص من عذاب متيقن دائم بخلاف زاد الدنيا فإنه يخلص من عذاب موهوم منقطع ، ولان الدنيا في كل ساعة في ادبار ، والآخرة في إقبال : والاستعداد للمقبل اولى من المدبر].
(٣) رواه في صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦٥ والسيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ٢٢١.