واستدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال ، بقوله صلىاللهعليهوآله «من حجّ ولم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه» (١) حيث لم يذكر صلىاللهعليهوآله الجدال كذا في الكشاف وفيه نظر ويمكن أن يوجّه الفتح في الثّالث بأنّ الاهتمام بنفي الجدال أشدّ من الأوّلين من حيث إنّ الرفث كناية عن قضاء الشهوة والفسوق مخالفة أمر الله والجدال مشتمل عليهما إذ المجادل يشهي تمشّي قوله ولا ينقاد للحقّ ، مع أنّه مشتمل على أمر زائد وهو الاقدام على الإيذاء المؤدّي إلى العداوة ، والحديث المذكور لا ينافي ما قلناه ، لأنّه مشتمل عليهما ومركّب منهما ، فنفيهما يستلزم نفيه فتأمّل.
ثمّ إنّ الجماع في الحجّ قبل الوقوفين يوجب فساده ، ولا يفسد لو وقع بعدهما ، وقال أكثر العامّة بفساده أيضا ويفسد العمرة لو وقع قبل التحلّل منها ، والفسوق يوجب الكفّارة وكذا الجدال ، وتفصيل ذلك يعلم من الأخبار ، فإنّ الآية كالمجملة وبيانها يعلم من خارج كما في غيرها.
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) على العموم حجّا أو غيره فعل المأمور به أو ترك المنهيّ عنه ، وصحّ إطلاق الفعل عليه باعتبار الكفّ وغيره ، وقرينة العموم ذكره بعد نفي الرفث وأخويه ، وتنكير «خير» الواقع بعد النفي (يَعْلَمْهُ اللهُ) فيجازيكم عليه ولا ينقص من جزائكم وفيها حثّ على فعل الطّاعة على أبلغ وجه وأتمّه ، فإنّ الله تعالى إذا كان عالما بجميع ما يصدر من المكلّف من أنواع الخير لم يفت على المكلّف شيء من جزائه وفي التّعبير بلفظ الله الدّالّ على الاتّصاف بجميع صفات الكمال من العلم والقدرة
__________________
(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٤٤ قال ابن حجر متفق عليه من حديث أبي هريرة وقريب منه في اللفظ ما في الجامع الصغير بالرقم ٨٦٢٦ في ج ٦ ص ١١٥ من فيض القدير برمز : حم خ ن ه عن أبي هريرة.
وفي الفيض زاد الطبراني والدارقطنى أو اعتمر وقال في الفيض أيضا ولم يذكر الجدال مع النهي عنه في الآية لأنه أريد به الخصومة مع الرفقاء اكتفاء بذكر البعض أو خروجا عن حدود الشريعة في الفسق أو لاختلاف في الموقف لم يحتج لذكره هنا.