بل ذلك جائز لكم.
قيل كان عكاظ وجحفة وذو المجاز أسواقهم في الجاهليّة يقيمونها مواسم الحجّ وكانت معايشهم منها ، فلمّا جاء الإسلام تأثّموا من ذلك فنزلت ، وقيل كان في الحجّ اجراء ومكارون ، وكان النّاس يقولون إنّه لا حجّ لهم. فرفع تعالى ذلك وبيّن أنّه لا إثم على الحاجّ أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا.
وعلى هذا التقدير فالآية صريحة في عدم المنافاة بين الحجّ وطلب الرّزق بإجارة أو مكاراة أو تجارة ونحوها ، فلا يتخيّل المنافاة بين الحجّ على ذلك التّقدير وبين الإخلاص ، فإنّه إنّما يقصد الإخلاص بفعل الحجّ وهو خارج عن تحصيل المال ، فانّ العمل الّذي يستحقّ به الأجرة مثل الخدمة ليس بداخل في الحجّ وليس بعبادة ، بل قد يحصل به الثواب والأجرة أيضا كما لو قصد به تحصيل المعاش الواجب أو الندب وقد لا يحصل كما لو قصد به غير ذلك وكذا الكلام في طلب التجارة ، فإنّ أفعال الحجّ لا تستغرق ذلك الزّمان ، فما فضل منها يصرفه في التّجارة فلا تنافي ، ولو آجر نفسه للحجّ ترتّب على فعله تحصيل المال وحصول الثواب أيضا وفي الأخبار دلالة على ذلك وفي بعضها أنّ للمستأجر عنه حجّة واحدة ، وللأجير تسع.
ولكن في حصول القربة المعتبرة في النيّة على ذلك التّقدير إشكال ، لظهور أنّ ذلك الفعل واقع بإزاء الأجرة ، فلا يتخلّص للقربة ، ويمكن أن يقال هو إنّما استوجر على إيقاع الفعل وحال الاستيجار لم يوقعه ، وإنّما أوقعه فيما بعد ذلك ، فجاز أن يقصد بذلك الفعل القربة إذ لا يحصل له شيء بعد الفعل ، حيث وجب فعله بعد عقد الإجارة وتعيّن عليه ، فيتخلّص الفعل للقربة. وفيه نظر إذ يجوز أن يكون القصد من الفعل حينئذ تمام ملكيّة الأجرة ، فإنّ الأجير إنّما يملكها ملكا تامّا بتمام العمل ، ويمكن الجواب بأنّه لا محذور في ذلك بعد ورود النصّ ، بل هو دليل على حصول القربة فتأمّل المقام فإنّه مشكل ، وقيل إنّ معنى الآية لا جناح عليكم في طلب المغفرة من ربّكم بأعمال توجبها ، ورواه جابر عن الباقر عليهالسلام وفي مجمع البيان (١) أنّ
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٢٩٥.