من اندفاع الطّاري لقيام الباقي ، ثمّ قال : والمخلص أن لا يجب عقلا ثواب المطيع ولا عقاب العاصي.
وفيه نظر ، فإنّ إحباط الإيمان بالكفر وبالعكس صريح القرآن كما في الآية الّتي نحن فيها ، ومن ثمّ اشترط أصحابنا في بطلان العمل الموافاة ، أي الموت على الكفر ، ولا نسلّم في هذه الصورة استحقاق الثواب على العمل الّذي أوقعه قبل ، لظهور الكاشف عن عدم الاستحقاق بالموت ، وكذا الكلام لو انعكس الأمر ، فإنّ موته على الإيمان موجب لاستحقاقه الثواب على ما عمله من الطّاعة بعد الكفر السابق.
ولعلّ غرضه من الدليل بيان ما ذكره من عدم الاستحقاق للثواب والعقاب وهو باطل عندنا ، فانّ الآيات مشحونة بالاستحقاق كقوله تعالى (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) «ذلك بما كسبت أيديهم» (٢) ونحوها.
ولعلّ مراده من عدم الاستحقاق عقلا عدم الاستحقاق شرعا أيضا فإنّهم لا يجعلون العقل مستقلا في الأحكام بدون الشّرع ، ولأنّ القائل بالاستحقاق العقليّ لم يدّعه عقلا فقط ، من غير شرع ، بل يقول إنّ العقل يحكم به ، والشّرع موافق له كما نطقت به الآيات.
وهب أن لا استحقاق للثواب كما قالوه ، بناء على التفضّل منه تعالى بالنسبة إلى العبد ، أو أنّ العبادات الواقعة من العبد شكر على نعمة السابقة ، فهو كأجير أخذ الأجرة قبل العمل ، كما قاله القاضي في غير هذا الموضع ، فأيّ معنى للعقاب بغير استحقاق ، إذ هو ظلم صريح يتحاشى أن يحوم حول كبريائه تعالى ، ولقد التزمت الأشاعرة هذا الظلم بالنّسبة إليه تعالى ، وجوّزوا إدخال الشّيطان وسائر الكفرة المتمرّدة الّذين لم يطيعوا الله طرفة عين الجنّة ، وجميع الأنبياء الّذين لم يعصوه طرفة عين النار نعوذ بالله من هذا الاعتقاد الكاسد ، والدّين الفاسد.
الرابعة : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ
__________________
(١) الأحقاف : ١٤.
(٢) لا يوجد بلفظة في القرآن الشريف وبمعناه آيات كثيرة.