لأنّه قد دلّ الدليل على أنّ الإحباط على هذا الوجه لا يجوز انتهى.
واعترض عليه بأنّه لا معنى لوقوع الفعل على وجه يستحقّ فاعله الثواب والمدح إلّا الإتيان به على الوجه المأمور به شرعا ، بمعنى الإتيان به مع جميع الشرائط المعتبرة في صحّته حين الفعل ، وقد فرض الإتيان به على هذا الوجه ثمّ ارتدّ ومع هذا الإتيان في جميع الصّور الّذي أطلق عليه الإحباط بعيد.
ويمكن أن يجاب بأنّا لا نسلّم الإتيان به على هذا الوجه ، كيف واستحقاق الثواب عندنا مشروط بالموافاة إلى حال الموت ، وحينئذ فيكون صحّته موقوفة على ذلك ، ويكون ارتداده في ثاني الحال وموته عليه كاشفا عن عدم صحّة الأعمال الواقعة حال الإيمان وعدم ترتّب الثّواب عليها ، إذ لا يراد بعدم الصحّة سوى عدم ترتّب الثّواب عليه.
لكنّ هذا لا يجرى فيما إذا كان الإحباط لبعض الأعمال البدنيّة بالبعض مثل كون شرب الخمر يحبط كذا وكذا ، والزّنا يحبط كذا وكذا ، والصّلوة تكفّر ذنب كذا ونحوها ، ممّا لا يحصى ، ويمكن حمل الإحباط الباطل على أنّه لا يكون الذّنب القليل محبطا لعبادة كثيرة ، وبالعكس حتّى أنّ الإنسان لو فعل جميع العبادات إلى قرب موته ثمّ فعل ذنبا بطل ذلك بالكلّية واستحقّ به العقاب الدّائم وبالعكس فإنّه ظاهر البطلان ، وإن ذهب إليه بعض المعتزلة ، ويكون الإجماع منهم على بطلان ذلك ، والآي والأخبار تحمل على ما لا يحصل إلى هذا الحدّ ، ولا يلزم من ذلك القول بالموازنة كما يذهب إليه بعضهم فإنّه باطل فتأمّل فيه.
ويمكن أن يراد بالإحباط الوارد في كتاب الله هو أنّ المرتدّ إذا أتى بالردّة فتلك الردّة عمل محبط ، لأنّه يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحقّ ثوابا ، فمعنى حبط عمله أنّه أتى بعمل ليس فيه فايدة ، بل فيه مضرّة عظيمة.
وقد استدلّ الفخر الرازيّ على بطلان الإحباط بأنّ من أتى بالإيمان والعمل الصّالح استحقّ الثواب الدّائم ، فإذا كفر بعده استحقّ العقاب الدّائم ، ولا يجوز وجودهما جميعا ، ولا اندفاع أحدهما بالآخر ، إذ ليس زوال الباقي بطريان الطّاري أولى