الأيدي والأرجل ، ويتركه حتّى ينزف بالدم ويموت ، وسيجيء ما يدلّ عليه ، ولعلّ في التعبير عن القتل بذلك لما في هذه العبارة من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل إذ هي تصوير القتل بأشنع صورة ، والحكم مخصوص بعدم إسلامهم فلو أسلموا والحالة هذه لم يجز قتلهم ، ولعلّ في الآية إشارة إليه.
(حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم قتلهم وأغلظتموهم من الشّيء الثخين وهو الغليظ ، والمراد عجزهم عن المقاتلة والاستظهار عليهم ، وحصول الظفر بهم من المسلمين ، حتّى لا يمكنهم النّهوض.
(فَشُدُّوا الْوَثاقَ) فأسروهم واحفظوهم ، والوثاق بالكسر والفتح اسم لما يوثّق به.
(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) أي فامّا تمنّون عليهم منّا بعد الأسر وتطلقونهم من غير فداء وإمّا تفدون فداء على مال يدفعه الأسير ونحوه ، ويخلص به رقبته من العبوديّة ، وتطلقونهم ، فانتصابهما بفعلين مضمرين.
ومقتضى الآية التخيير بين الأمرين بعد تقضّى الحرب ، وأثبت أصحابنا الاسترقاق أيضا ، فخيّروا بين الثلاثة لقيام الدّليل عليه من خارج ، ولا يجوز القتل في هذه الصّورة لعدم ما يدلّ عليه ، وجوّزه الشّافعيّة وحكموا بأنّ الإمام يتخيّر بين أربعة أمور : القتل ، والاسترقاق ، والمنّ ، والفداء ، وهو غير واضح الوجه ، مع كون التفصيل في الآية قاطعا للشركة.
وقالت الحنفيّة ليس للإمام المنّ والفداء وإنّما يتخيّر بين القتل والاسترقاق مستدلّين عليه بأنّ قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) ورد بعد قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) لأنّ آية المنّ نزلت بمكّة ، وآية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت وهي براءة ، فيكون ناسخا.
ويردّه أنّ النّسخ خلاف الأصل ، أقصى ما فيه ورود العامّ والخاصّ وإذا تعارضا خصّص العامّ بالخاصّ وعمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ ، وعمل بالخاصّ
__________________
(١) براءة : ٥.