الأصحاب بالنساء في عدم جواز الردّ من يكون مستضعفا لا يؤمن عليه الفتنة بخلاف من يكون له عشيرة تحميه من الافتتان ، فإنّه يجوز ردّه إذا وقع الصّلح على ردّ الرّجال.
(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) والتكرير للمبالغة والمطابقة أو أنّ الأوّل لبيان انفساخ حكم الزّوجيّة ، والثاني لمنع الاسترداد بوجه من الوجوه ومقتضاها انفساخ النكاح بمجرّد إسلامها من غير توقّف على طلاق ، وإلى ذلك يذهب أبو حنيفة فإنّه قال إنّ أحد الزّوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمّة وبقي الآخر حربيّا وقعت الفرقة ، ولا يرى العدّة على المهاجرة ، ويفسخ نكاحها إلّا أن تكون حاملا ، وسيجيء.
ولأصحابنا في ذلك تفصيل : وهو أنّ الإسلام إن كان قبل الدّخول انفسخ في الحال ، وإن كان بعده توقّف استقراره على انقضاء العدّة ، فلو أسلم في أثنائها فهو أحقّ بها.
(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) وأعطوا أزواجهنّ ما دفعوا إليهنّ من المهور خاصّة ، قيل لمّا وقع صلح الحديبية (١) جرى على أنّ من جاءنا منكم رددناه ، ومن جاءكم منّا فلا تردّوه إلينا ، وكتبوا كتابا وختموه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلميّة مسلمة والنبيّ صلىاللهعليهوآله بالحديبية فأقبل زوجها وقال : يا محمّد اردد عليّ امرأتي ، فإنّك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منّا ، فنزلت الآية بيانا لأنّ الشرط إنّما كان في الرّجال لا في النّساء.
ومقتضى الآية عموم ردّ ما أنفق لكنّ العلماء خصّوه بالمهر نظرا إلى أنّه بدل عن البضع الّذي حيل بينه وبينه بخلاف ما عدا المهر من النفقة والهبة ، فإنّه ليس بهذه المثابة ، وقد وافقنا على ردّ المهر الشافعيّ في أحد قوليه ، وأنكر ردّه في قوله الآخر وهو قول أكثر العامّة محتجّين بأنّ بضع المرأة ليس بمال يدخل في الأمان ، ومن ثمّ لو عقد الرّجل الأمان لنفسه دخل فيه أمواله دون زوجته ، فلا يجب ردّ بدله.
__________________
(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٢٧٣.