ما حدّ الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال ذاك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم على قدر ما يطيق ، إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا ، فانّ الله تعالى قال (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه ، حتّى يجد ذلّا لما أخذ منه فيسلم الحديث.
ومقتضاه أنّ الصّغار أن يأخذهم بما لا يطيقون حتّى يسلموا وقال الشّافعي هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم فيأخذ المستوفي بلحيته ، ويضرب في لهازمه.
وظاهر الآية تخصيص الجزية بأهل الكتاب من بين أصناف الكفّار وأنّ من عداهم من الكفّار لا يقبل منهم الجزية ، بل إمّا الإسلام أو السبي أو القتل ، وعلى هذا أصحابنا ووافقهم الشافعيّة.
وقال أبو حنيفة يقبل من جميع الكفّار إلّا العرب ، وقال أحمد : يقبل من جميع الكفّار إلّا عبدة الأوثان من العرب ، وقال مالك إنّها يقبل من جميعهم إلّا مشركي قريش ، لأنّهم ارتدّوا ، وهي أقوال ضعيفة وظاهر الآية يدفعها وكذا عموم قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وفي أخبارنا ما يدلّ على ذلك أيضا مع أنّ الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم ثابت لما في أهل الكتاب من الإقرار باللّسان بالتوحيد والتصديق ببعض الأنبياء وإن لم يكونوا عارفين في الحقيقة بخلاف غيرهم.
ثمّ إنّ الظاهر من الكتاب التورية والإنجيل ، فعلى هذا لو كان غير اليهود والنّصارى والمجوس فإنّهم لا يقرّون بالجزية ، وإن كان لهم كتاب كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس وزبور داود عليهمالسلام وعلى هذا أصحابنا وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر أنّهم يقرّون بالجزية ، وهو قول جماعة من العامّة محتجّين عليه بظاهر الآية فإنّهم أهل كتاب ، ولأنّ المجوس يقرّون بالجزية ولم يثبت لهم كتاب بل شبهة كتاب
__________________
ـ ومثله في العياشي إلى قوله «فيسلم» ج ٢ ص ٨٥ بالرقم ٤١ ونقله عنه في البحار ج ٢١ ص ١٠٩.