ثقة بإسلامه ، إذ لم يسلم من قومه غيره ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل ، وصعد فلمّا تلاحقوا وكبّروا كبّر ونزل ، وقال لا إله إلّا الله محمّد رسول الله السّلم عليكم ، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه ، فنزلت ، وقرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الآية على أسامة فحلف أن لا يقتل رجلا قال لا إله إلّا الله.
وفي الآية دلالة على قبول الايمان ممّن تلفّظ بالشّهادة من غير تعرّض له بكونه قال ذلك عن إكراه أو قصد ، بل على تحريم القول بأنّه ليس بمؤمن ، وعلى أنّ كلمة الشّهادة تحقن مال الرجل ودمه على أيّ وجه حصلت.
وقال أكثر الفقهاء : لو قال اليهوديّ والنّصراني أنا مؤمن أو مسلم ، لا يحكم بإسلامه لأنّه يعتقد أنّ الايمان والإسلام هو دينه ، ولو قال «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» فلا يحصل الجزم بإسلامه ، لأنّ منهم من يقول أنّه رسول العرب وحدهم ومنهم من يقول إنّ محمّدا الّذي هو الرّسول الحقّ منتظر بعده ، نعم إذا اعترف بأنّ الدين الّذي كان عليه باطل ، وأنّ الّذي هو موجود بين المسلمين حقّ قبل منه.
وقد يستفاد منها لزوم الأخذ بظاهر الحال من غير تجسّس وتفحّص عن كونه موافقا للواقع أولا ، وقد ورد بالنّهي عن التجسس الكتاب والسنّة بل الإجماع أيضا وظاهر الأمر بالتبيين وتكراره في الآية مرّتين تعظيم للأمر ، وتنبيه على عدم الجرأة في الأمور الّتي يترتّب عليها ضرر الغير ، وعدم السّرعة فيها ، والاقدام عليها إلّا بعد التثبّت والتروّي وانكشاف حقيقة الأمر مهما أمكن.
ويستفاد منها أيضا أنّ المؤمن لا يخرج عن الايمان بمثل تلك الفعلة [وإلّا لخرج زيد بفعله عن الإسلام ولم يخرج].
وهو صريح في عدم اعتبار العمل في الايمان كما هو القول الصّحيح قال القاضي (١) وفيه دليل على صحّة إيمان المكره ، وأنّ المجتهد قد يخطئ وأنّ خطأه مغتفر قلت : الدلالة على ذلك غير واضحة (٢) ، فإنّ ظاهر الآية لا يدلّ على كونه مكرها
__________________
(١) البيضاوي ص ١٢٣ ط المطبعة العثمانية.
(٢) وفي سن بدل هذه الجملة هكذا : قلت : الدلالة على الحكم الأول قد مر بيانها ـ لان «من» في قوله (لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) عامة فيشمل المكره وغيره ، لعدم المخصص ، فيثبت الحكم في المكره أيضا ، الا أن كون القاتل في هذه الصورة إلخ.