المهاجرة لا وجه لذلك ، ومن ثمّ لم يشترطوا عدم المندوحة فيما ورد فيه النصّ بخصوصه للتقيّة ، كالتكتّف وغسل الرّجلين ونحوهما ، لأنّ ذلك مع عدم التمكّن من المهاجرة كما دلّت عليه الآية الثانية أو على تقدير حصوله في ذلك الموضع ، وفي صحيحة محمّد بن مسلم السابقة دلالة على ذلك أيضا.
__________________
ـ سل الدار من جنبي حبر فواهب |
|
الى ما رأى هضب القليب المضيح |
حبر بكسرتين وتشديد الراء وواهب جبلان في ديار سليم انظر معجم البلدان ج ٢ ص ٢١٢ وج ٥ ص ٣٥٦ ط بيروت وفي الموضعين ذكر هذا البيت وفي اللسان ج ١٤ ص ٢٠٠ جير فواحف مكان حبر فواهب ، وهما أيضا موضعان ، وهضب القليب والمضيح موضعان متقاربان فجعلهما لتجاذبهما كأنهما يترائيان ، ومثله قول الأخر : «حيث نرى الدير والمنار.
(أقول وفي غريب الحديث لأبي عبيد التمثيل لهذا الوجه أيضا بقوله تعالى (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).
والوجه الأخر أن يكون المراد هاهنا نار الحرب ، لأنهم يكنون عن الحرب بالنار لما فيها من رهج المصاع ووهج القراع ، ومن ذلك قول الشاعر :
هما حيان يصطليان حربا |
|
رداء الموت بينهما جديدا |
وعلى هذا المعنى جاء التنزيل بقوله (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) فكأنه عليهالسلام قال وناراهما مختلفان ، أى حرباهما متباينان : هذه تدعو إلى الهدي والرشاد ، وهذه تدعو الى العمى والضلال.
وقد يجوز في ذلك عندي وجه آخر وهو أن يكون المراد لا يجتمع سرباهما ولا يختلط سرحاهما ، والنار عندهم اسم لسمات الإبل يقولون على هذا الإبل نار بنى فلان أى وسمهم ، وعلى هذا قول بعض خراب الإبل في ذكر أذواد استلبها وأراد عرضتها ليبيعها.
يسألني الباعة ما نجارها |
|
إذ زعزعوها قسمت إبصارها |
فكل دار لأناس دارها |
|
وكل نار العالمين نارها |
(أقول ضبط هذا البيت في اللسان ج ٥ ص ٢٤٣ ط بيروت هكذا :
نجار كل إبل نجارها |
|
ونار إبل العالمين نارها) ـ |