المراد به كون بعضها فيها ، بأن يكون البعض الآخر فوقها ، أو تكون أبوابها في السماء كما يقال في الدار بستان لاتّصال بابها إليها [أو المراد أنّها بتمامها فوق السموات تحت العرش لما روي عنه (١) صلىاللهعليهوآله الفردوس سقفها عرش الرّحمن] أو أنّها بتمامها فوق السماء ، وقول الحكماء أنّ ما فوق المحدّد لا خلأ ولا ملاء ، أو لا خرق ولا التيام في الأفلاك ، غير مسموع في الشريعة.
ولو قيل إنّ الجنة إذا كانت عرض السّموات والأرض فأين النّار؟ لقيل قد روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه سئل عن ذلك (٢) فقال إذا جاء اللّيل فأين النّهار؟ وهذه معارضة فيها إسقاط السّؤال ، لأنّ القادر على أن يذهب باللّيل حيث شاء قادر على أن يخلق النّار حيث شاء [أو أنّ المراد أنّ الفلك إذا دار حصل النّهار في جانب من العالم ، واللّيل في ضدّ ذلك الجانب ، فكذا الجنّة في جهة العلو والنّار في جهة السفل] (٣).
(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) هيّئت لهم وظاهر الآية أنّ الجنّة مخلوقة ، لأنّها لا تكون معدّة إلّا وهي مخلوقة موجودة ، ويدلّ عليه بعض الأخبار ، وإلى هذا يذهب أصحابنا وصرّح الشيخ المفيد في بعض رسائله بأنّ الجنّة مخلوقة ومسكونة سكنتها الملائكة ويستفاد منها أنّ الغرض الأصليّ من بناء الجنّة دخول المتّقين أي المطيعين لله ورسوله بترك المعاصي وفعل الطّاعات ، وإن دخلها غيرهم من الأطفال والمجانين ، فعلى وجه التبع ، وكذا الفسّاق لو عفى عنهم.
ثمّ إنّه تعالى وصف المتّقين بقوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) في حالتي اليسر والعسر بمعنى أنّهم لا يخلون عن إنفاق في كلتا الحالتين ، ما قدروا عليه
__________________
(١) أخرجه النيسابوري في تفسير الآية ج ١ ص ٣٦٣ ط إيران.
(٢) المجمع ج ١ ص ٥٠٤ واللفظ فيه «إذا جاء النهار فأين الليل» وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ ص ٧٢ والجامع الصغير الرقم ٤٦٣٩ ج ٤ ص ٨٦ فيض القدير وتفسير النيسابوري ج ١ ص ٣٦٣ ط إيران.
(٣) زيادة : من سن ، وهكذا فيما سبق ويأتي.