وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لو فعل الصّغيرة مرّة واحدة غير عازم على العود إليها لم يخرج بذلك عن العدالة ، ولم يحتج إلى التوبة ، وهو المشهور بين الفقهاء ، فإنّ الصّغيرة عندهم لا يقدح في العدالة من دون إصرار ، ولكن في الأخبار ما يدلّ على التوبة منه أيضا كالخبر السابق ، وأنّه بدون التوبة يكون مصرّا وهو الظاهر من القاضي (١) فإنّه قال : عند قوله (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين ، لقوله عليهالسلام ما أصرّ من استغفر ، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة ، ونحوه في الكشّاف (٢).
والظاهر أنّ مرادهما بالاستغفار التوبة تفسيرا للإصرار ، فما لم يتب يكون مصرّا ، ولكن يلزم عدم الفرق بين الكبيرة والصغيرة في أنّه لا يغفر إلّا مع التوبة وبدونها يكون فاسقا ، وهو خلاف المشهور كما عرفت.
(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال في مجمع البيان (٣) يحتمل وجوها أحدها أنّ معناه وهم يعلمون الخطيئة ذاكرين لها غير ساهين ولا ناسين ، لأنّه تعالى يغفر للعبد ما نسيه من ذنوبه وإن لم يتب منه بعينه عن الجبائيّ والسدّي.
وثانيها أنّ معناه يعلمون الحجّة في أنّها خطيئة ، فإذا لم يعلموا أولا طريق لهم إلى العلم به ، كان الإثم موضوعا عنهم ، كمن تزوّج بامّه من الرضاع أو النّسب وهو لا يعلم به ، فإنّه لا يأثم ، وهذا قول ابن عبّاس والحسن.
وثالثها أنّ المراد وهم يعلمون أنّ الله يملك مغفرة ذنوبهم عن الضحّاك ، ولا يذهب عليك أنّ الظاهر من الآية الأوّل ، والجملة حال من فاعل «يصرّوا» قيد للمنفيّ لا للنفي.
__________________
(١) البيضاوي ص ٨٩ ط المطبعة العثمانية.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٤١٦ وفي الكاف الشاف أخرجه أبو داود والترمذي وأبو يعلى والبزار وأخرجه البيضاوي أيضا وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير بالرقم ٧٨٢٢ ج ٥ ص ٤٢٢ فيض القدير وفيه على الحديث شرح مبسوط فراجع.
(٣) المجمع ج ١ ص ٥٠٦.