والمستهزئين المدلول عليه بقوله (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها).
وهذا تذكار لما نزل عليهم بمكّة من قوله في سورة الانعام (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (١) الآية ، وذلك أنّ المشركين بمكّة كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزؤن به ، فنهي المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه ، فكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين ، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكّة ، وكان الّذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) في الإثم لأنّكم لم تنكروا عليهم مع قدرتكم على الإنكار والاعراض ، أو مثلهم في الكفر إن رضيتم به ، لأنّ الرضا بالكفر كفر والرّاضي به كافر قطعا ، وإنّما لم يكن المسلمون بمكّة حين كانوا يجالسون المشركين الخائضين بمثابتهم لأنّهم كانوا عاجزين عن الإنكار ، فكان تركهم الإنكار لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ذلك عن رضى منهم.
(إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أي يجمع الفريقين وهم القاعدون والمقعود معهم في النّار والعقوبة فيها كما اتّفقوا في الدّنيا على عداوة المؤمنين ، والمظاهرة عليهم ، وفي الآية دلالة واضحة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة ، وزوال العذر ، وأنّ من رضى بالكفر فهو كافر ، ومن رضى بمنكر رآه وخالط أهله ـ وإن لم يباشر الفعل ـ كان شريكهم في الإثم ، وأنّ من ترك الإنكار مع القدرة عليه فهو مخطئ آثم.
قال جماعة من المفسّرين : ومن ذلك ما إذا تكلّم الرجل في مجلس بكذب فيضحك منه جلساؤه فيسخط الله عليهم وروى العياشي (٢) بإسناده عن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام
__________________
(١) الأنعام : ٦٨.
(٢) العياشي ج ١ ص ٢٨١ الرقم ٢٩٠ وحكاه في البحار ج ٢١ ص ١١٧ والبرهان ج ١ ص ٤٢٣ ونور الثقلين ج ١ ص ٤٦٧ الرقم ٦٢٨ ونقله عن العياشي أيضا في المجمع ج ٢ ص ١٢٧.