الحرص والأمل ، وهما يستلزمان أكثر الأخلاق الذّميمة ، فإنّه إذا اشتدّ حرصه على الشيء فقد لا يقدر على تحصيله إلّا بمعصية الله وإيذاء الخلق ، وإذا طال أمله نسي الآخرة وصار غريقا في الدّنيا ، فلا يكاد يقدم على التوبة ، ولا يؤثر فيه الوعظ ، فيصير قلبه كالحجارة أو أشدّ قسوة.
ورابعها قوله (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) البتك القطع ، والمراد هنا قطع آذان الحيوان ، فإنّهم كانوا يشقّون اذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن ، وجاء الخامس ذكرا حرّموا على أنفسهم الانتفاع بها ، ويعبّر عنها بالبحائر والسوائب.
وخامسها قوله :
(وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) وفيه وجهان أحدهما أنّ المراد تغيير دين الله وهو قول جماعة من المفسّرين ، والمراد أنّ الله فطر الخلق على الإسلام يوم أخرجهم من ظهر آدم ، وأشهدهم على أنفسهم أنّه ربهم وآمنوا به ، فمن كفر وعبد غير الله كالشمس والقمر فقد غيّر فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها ، والثاني أنّ المراد تغيير يتعلّق بظاهر الخلقة ومندرج فيه نحو خصاء العبيد فيكون حراما على إطلاقه ولكنّ الفقهاء رخّصوا في خصاء البهائم للحاجة ، وكذا يندرج فيه الوشر وهو تحديد طرف الأسنان وترقيقها تفعله المرأة الكبيرة تشبيها بالصّغائر ، والوشم وهو غرز ظهر الكفّ ونحوه بالإبر وإشباعه بالعظلم (١) ونحوه حتّى يخضرّ ، وقد روى (٢) عنه
__________________
(١) العظلم كزبرج عصارة شجر أو نبت يصبغ به والمثل بالرقم ٥٤٩ ج ١ ص ١٠٨ مجمع الأمثال للميداني بيضاء لا يدجى سناها العظلم ، مثل يضرب للمشهور لا يخفيه شيء وقد نظمه الشيخ إبراهيم في فرائد اللآل فقال :
يد الحميد بالندى إذ يكرم |
|
بيضاء لا يدجى سناها العظلم |
اى لا يسود بياضها العظلم وهو نبت يصبغ به ، قيل هو النيل وقيل الوسمة والعظلم الليل المظلم أيضا على التشبيه.
(٢) انظر الحديث بطرقه المختلفة وألفاظه المتفاوتة في كتب الشيعة الوسائل الباب ٤٧ من أبواب ما يكسب به ج ٢ ص ٥٤٢ والباب ١٣٦ من أبواب مقدمات النكاح ص ٣١ ج ٣ ـ