لا يناسب ذلك حالكم مع هذا الإخلاص ، وقيل إنّه نفى في معنى النهي أي لا تنفقوا إلّا ابتغاء رضوان الله وثوابه ، وفيه دلالة على اعتبار الإخلاص في الإنفاق وعدم قصد الرثاء فيه والسمعة.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ثوابه في الآخرة على الوجه الأتمّ الأكمل والتوفية إكمال الشيء وحسن التعدية بإلى لتضمّنها معنى التأدية ، فهو كالمؤكّد للشرطيّة السابقة ، أو المراد بالتوفية ما يخلف المنفق في الدنيا استجابة لدعائه صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهمّ اجعل لمنفق خلفا ، ولممسك تلفا ، ويحتمل أن يراد العموم.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بمنع ثوابكم ، ولا بنقصان جزائه كقوله تعالى (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (١) أي لم تنقص.
(لِلْفُقَراءِ) متعلّق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء واجعلوا صدقاتكم أو ما تنفقون للفقراء.
(الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أحصروا أنفسهم وألزموها الجهاد في سبيل الله ، فهو حاصر لهم عن الدخول في غيره (لا يَسْتَطِيعُونَ) لاشتغالهم به (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) ذهابا فيها للكسب والخوض في المعاش (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ) بحالهم وباطن أمورهم (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) عن السؤال والتجمّل في اللّباس ، والستر لما هم فيه من الفقر وسوء الحال ، طلبا لرضوان الله وطمعا في جزيل ثوابه.
(تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) أي تعرف حالهم بالنظر إلى وجوههم ، لما في وجوههم من الضعف ، ورثاثة الحال ، فتنتقل إلى فقرهم واحتياجهم (٢) أو لما فيها من الخشوع والخضوع الّذي هو شعار الصالحين ، فينتقل إلى صلاحهم ، والخطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لكلّ أحد
__________________
(١) الكهف : ٣٢.
(٢) زاد في سن : كذا قيل : وفيه نظر لان ما ذكر علامة الفقر دالة عليه فتناقض قوله (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ) ويمكن أن يقال : ان معرفة حالهم بسيماهم لما فيها من التخشع والخضوع إلخ.