المطلوب فذكر في الآية السابقة أنّ الأجر لا يترتّب على المنّ والأذى ثمّ ذكر هنا أنّ الردّ الجميل خير من الصدقة المتبوعة بالأذى مع وعيد مّا كما عرفت ، ثمّ بيّن في الآية الّتي بعدها حال الصدقة مع المنّ والأذى وأنّها بأيّ مثابة من التحريم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) لا تحبطوا أجرها بكلّ واحد منها (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) محلّ الكاف النصب على الحاليّة من ضمير المخاطبين ، أو على المصدريّة ، والمعنى لا تبطلوا صدقاتكم بهما حال كونكم مماثلين للّذي ينفق ماله أو إبطالا مثل إبطال إنفاق الّذي يرائي بإنفاقه ولا يقصد به رضى الله عنه ولا ثواب الآخرة لعدم إيمانه بهما ، ورثاء منصوب على العلّة أو المصدريّة أو الحال بمعنى مرائيا.
(فَمَثَلُهُ) فمثل المرائي في الإنفاق (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) كمثل حجر أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَتَرَكَهُ صَلْداً) حجرا أملس نقيّا من التراب الّذي كان عليه (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا ينتفعون بشيء ممّا فعلوا رثاء لذهابه من أيديهم ، ولا يجدون ثوابه ، بل وجدوا نقيضه لحرمة الرئاء وكونه شركا فتبيّن به أنّ تلك الأعمال لم تكن لله ، ولم يؤت بها على وجه يستحقّ به الثواب ، وضمير الجمع عائد إلى «الّذي» باعتبار المعنى لأنّ المراد به الجنس [أو الجمع] كقوله (١) :
وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كلّ القوم يا أمّ مالك |
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لا يثيبهم على أعمالهم إذ كان الكفر محبطا لها وإنّما يثيب المؤمنين الّذين يوقعون أعمالهم على الوجوه الّتي يستحقّ بها الثواب أولا يهديهم إلى الجنّة بأعمالهم كما يهدي المؤمنين ، أولا يعطيهم ما يعطى المؤمنين من زيادة الألطاف والتوفيق ، أو المراد لا يهدى المنفقين رئاء أو منّا أو أذى وضع مكانه الكافرين تعريضا بأنّ الرياء والمنّ والأذى على الإنفاق من صفات الكفّار ولا بدّ للمؤمن من الاجتناب عنها وإيقاع الفعل خالصا لوجهه الكريم ، من غير قصد سمعة ولا رئاء.
__________________
(١) هو الأشهب بن رميلة.