شك وإن كان له مثل ، ولكن عند هذا الذي ابتدعه لا سبيل إلا ابتداع الحق تعالى فإنه تعالى قال عن نفسه إنه بديع أي خلق ما لا مثل له في مرتبة من مراتب الوجود ، لأنه عالم بطريق الإحاطة بكل ما دخل في كل مرتبة من مراتب الوجود ، فكل ما في الوجود مبتدع لله فهو البديع ، وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح أن يكون بديعا ، ولما كان حال كن الإلهية حال المكوّن المخلوق ، وكان أسرع ما يكون من الحروف في ذلك فاء التعقيب ، لهذا جاء بها في جواب الأمر لسرعة نفوذ الأمر الإلهي في نشء العالم وظهوره ، فقال تعالى : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) القضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم على الأشياء بكذا ، والقدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود ، فالقضاء يحكم على القدر ، والقدر لا حكم له في القضاء ، بل حكمه في المقدر لا غير بحكم القضاء.
____________________________________
وَالْأَرْضِ) وهم الملائكة وعزير وعيسى ، وأتى بما ولم يقل من ، لأن ما عند سيبويه تقع على كل شيء فلها العموم ، فالإتيان بالعام أولى حتى يدخل فيها كل شيء (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي قائمون بالعبودية وشروطها ، وقد دخل الكفار في هذا القنوت ، فإنهم مما في السموات والأرض ، وهم طائفتان : جاهلة وعالمة ، فمن علم منهم الحق بباطنه مثل أهل الكتاب ومن جرى مجراهم في العلم ، فهو قانت لله في باطنه لعلمه به ، ومن جهل منهم ذلك ، فالجاهل ما عبد غير الله ولا قنت له لعينه ، ولكن تخيل أنه الإله المقصود بالقنوت له ، فما قنت إلا لله وإن أخطأ في نسبة ذلك ، فصدق قول الله في إخباره أنه كل له قانتون بهذا الوجه ، وهل ينفعهم ذلك أو لا ينفعهم مسألة أخرى ليس هذا موضعها (١١٨) (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إبداع الشيء إحكامه وإتقانه ، فإذا كان هذا ، فيكون عاما في كل موجود ، وإن كان المراد هنا بالإبداع إيجاد الشيء على غير مثال ، فيكون خاصا بالموجود الأول من كل نوع ، ولا يدخل ما تحته تحت هذه الصفة من كونه إبداعا وإنما يدخل تحت اسم الخالق والبارئ ، وقد يريد بالسموات والأرض ما علا وما سفل حصرا لجميع الموجودات ، ومن جملتهم ما نسبتموه إلينا من ولد من إنس وملك ، ولكن لا ينتفي الولد من هذا الوجه ، فإن الولد لا بد أن يكون مخلوقا مبدعا ، وليس في اللفظ ما يدل على قدم الولد ، وإنما الحجة في قوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وما أخبركم أنه قضى أن يتبنى أحدا من خلقه ، فافتريتم عليه ، بل نسبة ما نسبتم إليه من الولد نسبة كل أمر ، إذا قضاه أي شاءه وأراده ، أن يقول له كن أي يأمره بأن يتكون ، فيكون ، وكان هنا تامة ، وهنا بحر واسع يعز