يخلو إما أن يكونوا أهل كتاب أو لا يكونوا ، وإن كانوا أهل كتاب وجنحوا للسلم الذي هو الصلح عرضنا عليهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا أو لم يكونوا أهل كتاب قاتلناهم ، فلهذا قال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي لا تبدؤوهم بقتال قبل الدعوة وقبل عرض الجزية إن كانوا أهل كتاب ، ويدخل أيضا في هذا الخطاب من قاتلنا
____________________________________
وأقام الموصوف بها مقامها به ، أو يكون ولكن البر بر من اتقى ، وقد تقدم الكلام عليه في (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) فحصل من الفائدة في هذه المسألة أن الإنسان أولا كان إذا دخل من باب بيته أتى مباحا أو محظورا ، والآن قد اقترن به الأمر ، فيكون في إتيان المحرم إلى بيته من الباب عن أمر الشرع مأجورا وإن كان مباحا ، فإنه ما أتاه إلا لأمر الشارع لا لهوى نفسه ، وكل مباح إذا اقترن مع فاعله فعله لكون الشارع أباحه له كان له من الأجر ما يقابل حرمة القصد في ذلك لا لعين الفعل ، وهو قوله : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) فالمباح من ذلك إذا كان فعله له لإباحته ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قد تقدم الكلام في أول سورة البقرة على التقوى والفلاح ثم قال : (١٩١) (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآيات ، يقول : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) لما أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بتبليغ رسالات ربه إلى عباده لم يشرع له أن يبدأ بقتال ، والمشروع له وللمؤمنين أن يبدؤوا بدعائهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا كففنا عنهم ، وإن لم يجيبوا فلا يخلو إما أن يكونوا أهل الكتاب أو لا يكونوا ، وإن كانوا أهل كتاب وجنحوا إلى السلم الذي هو الصلح عرضنا عليهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا أو لم يكونوا أهل كتاب قاتلناهم ، فلهذا قال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي لا تبدؤوهم بقتال قبل الدعوة وقبل عرض الجزية إن كانوا أهل كتاب ، ويدخل أيضا في هذا الخطاب من قاتلنا في الحرم الذي يحرم القتال فيه (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي لا تتجاوزوا ما حددنا لكم من النهي عن قتل الرهبان والنساء والصبيان ، وكل من انحجز عن قتالكم من الرجال ، ولكن هذا في الحرم خاصة ، وأما في غير الحرم فنحن مأمورون بقتال المشركين كافة ، فلا يغنيهم كونهم انحجزوا عنهم ، فلا نقاتل في الحرم إلا من باشر القتال ، ومن هنا صوّب من صوب قتال ابن الزبير للحجاج ، فإن الحجاج قصده وقاتله لكونه ثبتت خلافته عنده ، ومن صوب قتال الحجاج لابن الزبير لم تصح عنده خلافة ابن الزبير ورآه خارجا على الإمام ، ومن خرج على الإمام فقد عصى والحرم لا يعين عاصيا عند من يرى ذلك ، فقاتله الحجاج بحق في الحرم ، ولم يكن لابن الزبير أن يقاتله في الحرم ولا في غير الحرم (١٩٢) (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) يقول : واقتلوهم