مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الفدية واجبة على من أماط الأذى من ضرورة ، ومن أماط الأذى من غير ضرورة عليه دم ، فإنه غير متأذ في نفسه ، أي أنه ليس بذي ألم لذلك ، ولذلك جعل محل الأذى الرأس المحس به وما جعله الشعر ، فما ثم ضرورة توجب الحلق ، ولا فدية على من أماط الأذى ناسيا ، والناسي هنا هو الناسي لإحرامه ، والفدية هنا على التخيير ، صيام ثلاثة أيام ، أو صدقة إطعام ست مساكين نصف صاع لكل مسكين ، أو نسك شاة (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أوجب الله على المتمتع بالعمرة وهي الحج الأصغر أن يقدم الهدي إما نسيكة على ما تيسر ، وإما صوما لمن قصده بتلك الزيارة ، فهي الهدية له فإن الصوم له وهو الذي نزل عليه الحاج ، فلذلك كان الصوم هدية لأنه يستحقها ، بل هي أليق به من الهدي ، فإنه لا يناله من الهدي إلا التقوى خاصة من المهدي ، والصوم كله هو له فهو أعظم من الهدية ، والهدية من القادم للذي قدم عليه معتادة ، وإنما جعل الله الصوم لمن لم يجد هديا لأن الهدي ينال الحق منه التقوى ، وينال العبد منه ما يكون له به التغذي وقوام نشأته ، فراعى سبحانه منفعة العبد مع ما للحق فيه من نصيب التقوى مع الوجود ، فقال تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) فإذا لم يجد رفق به سبحانه فأوجب عليه الصوم ، إذ كان الصوم له فأقامه مقام الهدية ، بل هو أسنى ، وقنع الحق بثلاثة أيام
____________________________________
إن كان تطوعا ، ثم قال : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) يقول : فإن منعكم مانع من إتمام الحج وحبسكم حابس عنه بعد إحرامكم من عدو أو مرض أو ما كان ، قال تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) فالظاهر أن الفقر أحصرهم عن الضرب في الأرض ، وهذا هو أوجه عموم الموانع ، على أن الناس اختلفوا كثيرا في هذا الإحصار المذكور في هذه الآية ، فما من نوع من أنواع المنع إلا وقد قال به قائل ، فلا فائدة في إيراده ، إذ قد أدخلناه في قولنا : [أو ما كان] وإذا كان ذلك كذلك ، فنقول إن المحصر بالعدو اتفق الأكثرون على أنه يحل من عمرته أو حجه حين أحصر ، وقالت طائفة منهم الثوري لا يتحلل إلا يوم النحر ، فأما القائلون بتحلله حين أحصر اختلفوا في إيجاب الهدي ، فمنهم من منع وقال لا يجب عليه هدي ، وإن كان معه هدي نحره حيث أحل وهو قول مالك ، وقال غيره بوجوب الهدي عليه وأن ينحره حيثما أحل ، وقال أبو حنيفة يذبحه بالحرم ، وأما إعادة