أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله) فيؤمر بهم إلى الجنة ، ثم يسمعون نداء ثالثا : (يا أهل الموقف ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ليجزي الصادقين بصدقهم) فيؤمر بهم إلى الجنة ، فبعد هذا النداء يخرج عنق من النار ، فإذا أشرف على الخلق وله عينان ولسان فصيح يقول : (يا أهل الموقف إني وكلت منكم بثلاث) كما كان النداء الأول ثلاث مرات لثلاث طوائف من أهل السعادة ، وهذا كله قبل الحساب ، والناس وقوف قد ألجمهم العرق ، واشتد الخوف وتصدعت القلوب لهول المطلع ، فيقول ذلك العنق المستشرف من النار عليهم (إني وكّلت بكل جبار عنيد) فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطائر حب السمسم ، فإذا لم يترك أحدا منهم في الموقف نادى نداء ثانيا : (يا أهل الموقف إني وكلت بمن آذى الله ورسوله) فيلقطهم كما يلقط الطائر حب السمسم من بين الخلائق ، فإذا لم يترك منهم أحدا نادى ثالثة : (يا أهل الموقف إن وكلت بمن ذهب يخلق كخلق الله) فيلقط أهل التصاوير وهم الذين يصورون صورا في الكنائس لتعبد تلك الصور ، والذين يصورون الأصنام ، وهو قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) فكانوا ينحتون لهم الأخشاب والأحجار ليعبدوها من دون الله ، فهؤلاء هم المصورون فيلقطهم من بين الصفوف كما يلقط الطير حب السمسم ، فإذا أخذهم الله عن آخرهم ، بقي الناس وفيهم المصورون الذين لا يقصدون بتصويرهم ما قصده أولئك من عباداتها ، حتى يسئلوا عنها لينفخوا فيها أرواحا تحيا بها وليسوا بنافخين ، كما ورد في الخبر في المصورين ، فيقفون ما شاء الله ينتظرون ما فعل الله بهم ، والعرق قد ألجمهم ، قال علي
____________________________________
فسروا بذلك واستبشروا وقالوا : (هذا عارض ممطرنا) لكون الغيث أبدا يستلزم الغمام ، فقال تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا رأى ذلك ، يتغير ويدخل ويخرج ، فإذا نزل الغيث وعلم أنه رحمة سكن ، فإذا رأى الناس ظلل الغمام التي هي مظنة الخير والرحمة يستبشرون ، فتبدو لهم منها من البأس والشدة ما لم يكونوا يحتسبون (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو قوله في هذه الآية (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ). وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ) بالرفع والجر ، فمن جر عطف على الغمام ، فتكون الملائكة الموكلون بما ذكرناه من بأس الله ، فإن هذه الآية آية وعيد وتهديد ، ومن رفع فمثل قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) والأولى