لما كان أهل بدر قليلين والمشركون كثيرين ، أنزل الله الملائكة مددا لنصر المؤمنين على الأعداء في القتال يوم بدر ، فنزل الملائكة مقاتلين خاصة. وكونهم مسومين أي أصحاب علامات يعرفون بها أنهم من الملائكة ، فبوجود المدد الملكي والأثر الفلكي كانت النصرة ، ورجعت على الأعداء الكرة ، أقدم حيزوم ، لنصرة دين الحي القيوم ، ولما فيه من تقوية القلوب ، عند أهل الإيمان بالغيوب ، وما كان عند أهل الغيب إيمانا ، كان لأهل الشرك عيانا ، وذلك الشهود خذلهم ، فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ، قتلهم بالملك ، للأمر الذي أوحاه في السماء وأودعه حركة الفلك ، فما انحجب عن المؤمن لإهانته ، كما أنه ما كشفه للمشرك لمكانته ، لكن ليثبت ارتياعه ، ويتحقق انصداعه واندفاعه ، فخذله الله بالكشف ، وهو من النصر الإلهي الصرف ، نصر به عباده المؤمنين على التعيين ، فإنه أوجب سبحانه على نفسه نصرتهم ، فرد عليهم لهم كرتهم ، فانهزموا أجمعين وكان حقّا علينا نصر المؤمنين ، والمؤمن الإله الحق ، وقد نصره الخلق.
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١٢٦)
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) فيحتمل لكونهم من الملائكة عامة ، أوهم الملائكة الذين قالوا في حق آدم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فأنزلهم الله في يوم بدر ، فسفكوا الدماء ، حيث عابوا آدم بسفك الدماء ، فلم يتخلفوا عن أمر الله ، فنصرونا على الأعداء بما عابوه علينا. (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي من عادة البشرية أن تسكن إلى الكثرة ، إذ كان أهل بدر ثلاثمائة والمشركون ألفا ، فلما رأوا الملائكة خمسة آلاف ، اطمأنت قلوب المؤمنين بكثرة العدد مع وجود القتال منهم ، فما اطمأنوا به برؤيتهم وحصل لهم من الأمان في قلوبهم حتى غشيهم النعاس ، إذ كان الخائف لا ينام.
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (١٢٨)