إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) (١٣٣)
يتضح من هذه الآية أن الاقتدار يأبى إلا الوجود ، وعلق الإرادة والمشيئة بالإعدام فقال (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي يردكم إلى الحالة التي كنتم موصوفين فيها بالعدم وعلق الاقتدار بإيجاد قوم آخرين فقال : «ويأت بقوم آخرين» (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) ولم يقل ذينك على التثنية ؛ فكانت الإشارة من حيث أحديتها للأقرب ، وهو الذي أتى به (قَدِيراً) ، فإن الله تعالى هو الوجود ، فلا يعطي إلا الوجود لأن الخير كله بيديه ، والوجود هو الخير كله ، والحقّ لا يعدم عدم العين ، ولكن يكون عنه العدم الإضافي وهو الذهاب والانتقال ، فينقلك أو يذهبك من حال إلى حال مع وجود عينك في الحالين ومن مكان إلى مكان مع وجود عينك في كل واحد منهما وبينهما ؛ فالإتيان بصفة القدرة والذهاب بالإرادة من حيث ما هو ذهاب خاصة ، فالحق مذهب الأشياء لا معدمها ، فهو وإن أذهب الأشياء من موطن كان لها وجود في موطن آخر. فالموت إذهاب لا إعدام ، فإنه انتقال من دنيا إلى آخرة ، التي أولها البرزخ. فلما كان الإذهاب من صفات الحق لا الإعدام ، قال تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها الناس (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) ولم يقل يعدمكم (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً).
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ