بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم ، فستجدون عاقبة أمركم ، سواء طال عليكم الأمد أو قصر.
[١٨] فإن من قبلكم ، كذبوا كما كذبتم ، فأهلكهم الله تعالى ، فانظروا كيف إنكار الله عليهم ، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية قبل عقوبة الآخرة ، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.
[١٩] وهذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير ، الّتي سخرها الله ، وسخر لها الجو والهواء ، تصف فيه أجنحتها للطيران ، وتقبضها للوقوع ، فتظل سابحة في الجو ، مترددة فيه ، بحسب إرادتها وحاجتها. (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ) فإنه الذي سخر لهن الجو ، وجعل أجسادها وخلقتها ، في حالة مستعدة للطيران. فمن نظر في حالة الطير ، واعتبر فيها ، دلته على قدرة الباري ، وعنايته الربانية ، وأنه الواحد الأحد ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) ، فهو المدبر لعباده ، بما يليق بهم ، وتقتضيه حكمته.
[٢٠] يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره ، المعرضين عن الحقّ : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) ، أي : ينصركم ، إذا أراد الرحمن بكم سوءا ، فيدفعه عنكم؟ أي : من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل ، وغيره من الخلق لو اجتمعوا على نصر عبد ، لم ينفعوه بمثقال ذرة ، على أيدي أيّ عدوّ كان. فاستمرار الكافرين على كفرهم ، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن ، غرور وسفه.
[٢١] (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) ، أي : الرزق كله من الله ، فلو أمسك عنكم الرزق ، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم ، فكيف بغيرهم؟ فالرزاق المنعم ، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه ، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة. ولكن الكافرين (لَجُّوا) ، أي : استمروا (فِي عُتُوٍّ) ، أي : قسوة وعدم لين للحق (وَنُفُورٍ) ، أي : شرود عن الحقّ.
[٢٢] (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٢) أي : أيّ الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال ، غارقا في الكفر قد انتكس قلبه ، فصار الحقّ عنده باطلا ، والباطل حقا؟ أو من كان عالما بالحق ، مؤثرا له ، عاملا يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله ، وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال الرجلين ، يعلم الفرق بينهما ، والمهتدي من الضال منهما ، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال.
[٢٣] يقول تعالى ـ مبينا أنه المعبود وحده ، وداعيا عباده إلى شكره ، وإفراده بالعبادة ـ : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) ، أي : أوجدكم من العدم ، من غير معاون له ولا مظاهر. ولما أنشأكم ، كمل لكم الوجود ، إذ (جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ، وهذه الثلاثة ، هي أفضل أعضاء البدن ، وأكمل القوى الجسمانية. ولكنكم مع هذا الإنعام (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) الله ، قليل منكم الشاكر ، وقليل منكم الشكر.
[٢٤] (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : بثكم في أقطارها ، وأسكنكم في أرجائها ، وأمركم ، ونهاكم ، وأسدى إليكم من النعم ، ما به تنتفعون ، ثمّ بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.
[٢٥] ولكن هذا الوعد بالجزاء ، ينكره هؤلاء المعاندون (وَيَقُولُونَ) تكذيبا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، جعلوا علامة صدقهم ، أن يخبروهم بوقت مجيئه ، وهذا ظلم وعناد.
[٢٦] (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) لا