[٤٢] (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٤٢) ، أي : من خيار الفواكه وأطيبها ، ويقال لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) من المآكل الشهية ، والأشربة اللذيذة ، (هَنِيئاً) ، أي : من غير منغص ولا مكدر. ولا يتم هناؤه ، حتى يسلم الطعام والشراب ، من كل آفة ونقص ، وحتى يجزموا أنه غير منقطع ، ولا زائل. (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فأعمالكم ، هي السبب الموصل لكم إلى جنات النعيم المقيم. وهكذا كلّ من أحسن في عبادة الله ، وأحسن إلى عباد الله ، ولهذا قال : [٤٤ ـ ٤٥] (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٥) ، ولو لم يكن من هذا الويل ، إلا فوات هذا النعيم ، لكفى به حزنا وحرمانا.
[٤٦] هذا تهديد ووعيد للمكذبين ، أنهم وإن أكلوا في الدنيا ، وشربوا وتمتعوا باللذات ، وغفلوا عن القربات ، فإنهم مجرمون ، يستحقون ما يستحقه المجرمون ، فتنقطع عنهم اللذات ، وتبقى عليهم التبعات.
[٤٨] ومن إجرامهم أنهم إذا أمروا بالصلاة ، الّتي هي أشرف العبادات ، و (قِيلَ لَهُمُ : ارْكَعُوا) امتنعوا من ذلك. فأي إجرام فوق هذا؟ وأي تكذيب يزيد على هذا؟
[٤٩] (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٩) ، ومن الويل عليهم أنهم تنسد عنهم أبواب التوفيق ، ويحرمون كلّ خير ، فإنهم إذا كذبوا هذا القرآن ، الذي هو أعلى مراتب الصدق واليقين على الإطلاق.
[٥٠] (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٥٠) ، أبالباطل ، الذي هو كاسمه ، لا يقوم عليه شبهة فضلا عن الدليل؟ أم بكلام مشرك كذاب ، أفاك مبين؟ فليس بعد النور المبين ، إلا دياجي الظلمات ، ولا بعد التصديق ، الذي قامت عليه الأدلة والبراهين القاطعة ، إلا الإفك الصراح ، والكذب المبين الذي لا يليق إلا بمن يناسبه. فتبّا لهم ، ما أعماهم وويحا لهم ما أخسرهم وأشقاهم نسأل الله العفو والعافية ، إنه جواد كريم. تم تفسير سورة المرسلات ـ ولله الحمد.
تفسير سورة النبأ
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٣] أي : عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟ ثمّ بيّن ما يتساءلون عنه فقال : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) (٣) ، أي : عن الخبر العظيم ، الذي طال فيه نزاعهم وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد ، وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ، ولا يدخله الريب ، ولكن المكذبين بلقاء ربهم لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية ، حتى يروا العذاب الأليم.
[٤ ـ ٥] ولهذا قال : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (٥) ، أي : سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ، ما كانوا به يكذبون ، حين يدعّون إلى نار جهنم دعّا. ويقال لهم : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١٤).