[٧٨] (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) والجهاد بذل الوسع ، في حصول الغرض المطلوب. فالجهاد في الله حق جهاده ، هو القيام التام بأمر الله ، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك ، من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر ، ووعظ ، وغير ذلك. (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي : اختاركم ـ يا معشر المسلمين ـ من بين الناس ، واختار لكم الدين ، ورضيه لكم ، واختار لكم أفضل الكتب ، وأفضل الرسل. فقابلوا هذه المنحة العظيمة ، بالقيام بالجهاد فيه حق القيام. ولما كان قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) ربما توهم متوهم أن هذا ، من باب تكليف ما لا يطاق ، أو تكليف ما يشق ، احترز منه بقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي : مشقة وعسر ، بل يسره غاية التيسير ، وسهله بغاية السهولة ، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس ، لا يثقلها ، ولا يؤودها ، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف ، خفف ما أمر به. إما بإسقاطه ، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية ، قاعدة شرعية وهي أن «المشقة تجلب التيسير» و «الضرورات تبيح المحظورات» ، فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية ، شيء كثير معروف في كتب الأحكام. (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) أي : هذه الملة المذكورة ، والأوامر المزبورة ، ملة أبيكم إبراهيم ، التي ما زال عليها ، فالزموها واستمسكوا بها. (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) أي : في الكتب السابقة ، أنتم مذكورون ومشهورون أي : بأن إبراهيم سمّاكم : مسلمين. (وَفِي هذا) أي : هذا الكتاب ، وهذا الشرع. أي : ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا. (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) بأعمالكم خيرها وشرها (وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) لكونكم خير أمة أخرجت للناس ، أمة وسطا عدلا خيارا. تشهدون للرسل أنهم بلغوا أممهم ، وتشهدون على الأمم أن رسلهم بلغتهم بما أخبركم الله به في كتابه. (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بأركانها وشروطها ، وحدودها ، وجميع لوازمها. (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة لمستحقيها شكرا لله ، على ما أولاكم. (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) أي : امتنعوا به وتوكلوا عليه في ذلك ، ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم. (هُوَ مَوْلاكُمْ) الذي يتولى أموركم ، فيدبركم بحسن تدبيره ، ويصرفكم على أحسن تقديره. (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) أي : نعم المولى لمن تولاه ، فحصل له مطلوبه (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) لمن استنصره فدفع عنه المكروه. تم تفسير سورة الحج ، والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة المؤمنون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] هذا تنويه من الله ، يذكر عباده المؤمنين ، وذكر فلاحهم وسعادتهم ، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك ، وفي