ضمن ذلك ، الحث على الاتصاف بصفاتهم ، والترغيب فيها. فليزن العبد نفسه ، وغيره ، على هذه الآيات ، يعرف بذلك ، ما معه ، وما مع غيره ، من الإيمان ، زيادة ونقصا ، كثرة وقلة. فقوله : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١) أي : قد فازوا وسعدوا ونجحوا ، وأدركوا كل ما يروم المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم الكاملة أنهم (فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ). والخشوع في الصلاة هو : حضور القلب بين يدي الله تعالى ، مستحضرا لقربه ، فيسكن لذلك قلبه ، وتطمئن نفسه ، وتسكن حركاته ويقل التفاته ، متأدبا بين يدي ربه ، مستحضرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته ، من أول صلاته إلى آخرها ، فتنتفي بذلك ، الوساوس والأفكار الردية. وهذا روح الصلاة ، والمقصود منها ، وهو الذي يكتب للعبد. فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب ، وإن كانت مجزية مثابا عليها ، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها.
[٣] (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) وهو الكلام الذي لا خير فيه ، ولا فائدة. (مُعْرِضُونَ) رغبة عنه ، وتنزيها لأنفسهم ، وترفعا عنه ، وإذا مروا باللغو ، مروا كراما ، وإذا كانوا معرضين عن اللغو ، فإعراضهم عن المحرم ، من باب أولى ، وأحرى. وإذا ملك العبد لسانه وخزنه ـ إلا في الخير ـ كان مالكا لأمره ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم ، لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال : «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بلسان نفسه وقال : كفّ عليك هذا». فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة ، كفّ ألسنتهم ، عن اللغو والمحرمات.
[٤] (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (٤) أي : مؤدون لزكاة أموالهم ، على اختلاف أجناس الأموال ، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفوس بتركها وتجنّبها ، فأحسنوا في عبادة الخالق ، في الخشوع في الصلاة ، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة.
[٥ ـ ٦] (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) (٥) عن الزنا ، ومن تمام حفظها تجنّب ما يدعو إلى ذلك كالنظر واللمس ونحوهما. فحفظوا فروجهم عن كل أحد (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الإماء المملوكات (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) بقربهما ، لأن الله تعالى أحلهما.
[٧] (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) غير الزوجة والسرية (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) الذين تعدوا ما أحل الله إلى ما حرمه ، المتجرءون على محارم الله. وعموم هذه الآية ، يدل على تحريم المتعة ، فإنها ليست زوجة حقيقة مقصودا بقاؤها ، ولا مملوكة ، وتحريم نكاح المحلل لذلك. ويدل قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أنه يشترط في حل المملوكة ، أن تكون كلها في ملكه ، فلو كان له بعضها لم تحل ، لأنها ليست مما ملكت يمينه ، بل هي ملك له ولغيره ، فكما أنه لا يجوز أن يشترك في المرأة الحرة زوجان ، فلا يجوز أن يشترك في الأمة المملوكة سيدان.
[٨] (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٨) ، أي : مراعون لها ، ضابطون ، حافظون ، حريصون على القيام بها وتنفيذها. وهذا عام في جميع الأمانات ، التي هي حق لله ، والتي هي حق للعباد. قال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ