عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) ، فجميع ما أوجبه الله على عبده ، أمانة ، على العبد حفظها بالقيام التام بها ، وكذلك يدخل في ذلك ، أمانات الآدميين ، كأمانات الأموال ، والأسرار ، ونحوهما. فعلى العبد ، مراعاة الأمرين ، وأداء الأمانتين (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ، وكذلك العهد ، يشمل العهد الذي بينهم وبين العباد ، وهي الالتزامات والعقود ، التي يعقدها العبد ، فعليه مراعاتها والوفاء بها ، ويحرم عليه ، التفريط فيها ، وإهمالها.
[٩] (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩) أي : يداومون عليها في أوقاتها وحدودها وأشراطها وأركانها ، فمدحهم بالخشوع في الصلاة ، وبالمحافظة عليها ، لأنه لا يتم أمرهم إلا بالأمرين : فمن يداوم على الصلاة من غير خشوع ، أو على الخشوع من دون محافظة عليها ، فإنه مذموم ناقص.
[١٠ ـ ١١] (أُولئِكَ) الموصوفون بتلك الصفات (هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها ، لأنهم حلوا من صفات الخير أعلاها وذروتها ، أو المراد بذلك ، جميع الجنة ، ليدخل بذلك ، عموم المؤمنين ، على درجاتهم في مراتبهم ، كل بحسب حاله. (هُمْ فِيها خالِدُونَ) لا يظعنون عنها ، ولا يبغون عنها حولا ، لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله ، وأتمه ، من غير مكدر ولا منغص.
[١٢] ذكر الله في هذه الآيات أطوار الآدمي وتنقلاته ، من ابتداء خلقه إلى آخر ما يصير إليه ، فذكر ابتداء خلق أبي النوع البشري آدم عليهالسلام ، وأنه (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) أي : قد سلت ، وأخذت من جميع الأرض ، ولذلك جاء بنوه على قدر الأرض : منهم الطيب والخبيث ، وبين ذلك ، والسهل ، والحزن ، وبين ذلك.
[١٣] (ثُمَّ جَعَلْناهُ) أي : جنس الآدميين (نُطْفَةً) تخرج من بين الصلب والترائب ، فتستقر (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) وهو : الرحم محفوظة من الفساد والريح وغير ذلك.
[١٤] (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ) التي قد استقرت قبل (عَلَقَةً) أي : دما أحمر ، بعد مضي أربعين يوما من النطفة. (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ) بعد أربعين يوما (مُضْغَةً) أي : قطعة لحم صغيرة ، بقدر ما يمضغ من صغرها. (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ) اللينة (عِظاماً) صلبة ، قد تخللت اللحم ، بحسب حاجة البدن إليها. (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي : جعلنا اللحم ، كسوة للعظام ، كما جعلنا العظام ، عمادا للحم ، وذلك في الأربعين الثالثة. (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) نفخ فيه الروح ، فانتقل من كونه جمادا ، إلى أن صار حيوانا. (فَتَبارَكَ اللهُ) أي : تعالى ، وتعاظم ، وكثر خيره (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٩) فخلقه كله حسن ، والإنسان من أحسن مخلوقاته ، بل هو أحسنها على الإطلاق كما قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٤) ولهذا كان خواصه ، أفضل المخلوقات وأكملها.
[١٥] (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) الخلق ، ونفخ الروح (لَمَيِّتُونَ) في أحد أطواركم وتنقلاتكم.
[١٦] (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) فتجازون بأعمالكم ، حسنها وسيئها. قال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠).
[١٧] لما ذكر تعالى خلق الآدمي ، ذكر مسكنه ، وتوفّر النعم عليه ، من كل وجه فقال : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ) سقفا للبلاد ، ومصلحة للعباد (سَبْعَ طَرائِقَ) أي : سبع سموات طباقا ، كل طبقة فوق الأخرى ، قد زينت بالنجوم ، والشمس ، والقمر ، وأودع فيها من مصالح الخلق ، ما أودع. (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) فكما أن خلقنا عام لكل مخلوق ، فعلمنا أيضا ، محيط بما خلقنا ، فلا تغفل مخلوقا ، ولا ننساه ، ولا نخلق خلقا فنضيعه ، ولا نغفل عن السماء