الشديد ، الذي فيه كلّ أحد ، لا يهمه إلا نفسه (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته ، قد تم على كلّ عبد عمله ، وتحقق عليه جزاؤه. فلفت النظر لهذا اليوم المهول ، مما يقوي العبد ، ويسهّل عليه تقوى الله. وهذا من رحمة الله بالعباد ، يأمرهم بتقواه الّتي فيها سعادتهم ، ويعدهم عليها الثواب ، ويحذرهم من العقاب ، ويزجرهم عنه بالمواعظ والمخوفات. فلك الحمد يا رب العالمين. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) فلا تمتروا فيه ، ولا تعملوا عمل غير المصدق ، فلهذا قال : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزينتها وزخارفها ، وما فيها من الفتن والمحن. (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الذي هو الشيطان ، ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات. فإن لله على عباده حقا ، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم ، وهل وفوا حقه ، أم قصروا فيه. وهذا أمر يجب الاهتمام به ، وأن يجعله العبد نصب عينيه ، ورأس مال تجارته الّتي يسعى إليها. ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه ، الدنيا الفتانة ، والشيطان الموسوس المسوّل. فنهى تعالى عباده ، أن تغرهم الدنيا ، أو يغرهم بالله الغرور (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢٠).
[٣٤] قد تقرر أن الله تعالى ، أحاط علمه بالغيب والشهادة ، والظواهر والبواطن ، وقد يطلع الله عباده على كثير من الأمور الغيبية ، وهذه الأمور الخمسة ، من الأمور الّتي طوى علمها عن جميع الخلق ، فلا يعلمها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، فضلا عن غيرهما ، فقال : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : يعلم متى مرساها ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) الآية. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي : هو المنفرد بإنزاله ، وعلم وقت نزوله. (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) فهو الذي أنشأ ما فيها ، وعلم ما هو ، هل هو ذكر أم أنثى. ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه : هل هو ذكر أم أنثى؟ فيقضي الله ما يشاء. (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من كسب دينها ودنياها. (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه. ولما خصص هذه الأشياء ، عمم علمه بجميع الأشياء فقال : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) محيط بالظواهر والبواطن ، والخفايا والخبايا ، والسرائر. ومن حكمته التامة ، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد ؛ لأن في ذلك من المصالح ، ما لا يخفى على من تدبر ذلك. تم تفسير سورة لقمان.
تفسير سورة السجدة
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١ ـ ٢] يخبر تعالى أن هذا الكتاب الكريم ، تنزيل من رب العالمين ، الذي رباهم بنعمته. ومن أعظم ما رباهم به ، هذا الكتاب ، الذي فيه كلّ ما يصلح أحوالهم ، ويتمم أخلاقهم. وأنه لا ريب فيه ، ولا شك ، ولا امتراء ، ومع ذلك قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك : افتراه محمد ، واختلقه من عند نفسه. وهذا من أكبر الجراءة على إنكار كلام الله ، ورمي محمد صلىاللهعليهوسلم ، بأعظم الكذب ، وقدرة الخلق على كلام مثل كلام الخالق. وكلّ واحد من هذه من الأمور العظائم. قال الله ـ رادّا على من قال : افتراه :
[٣] (بَلْ هُوَ الْحَقُ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (مِنْ رَبِّكَ) أنزله رحمة للعباد (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي : في حالة ضرورة وفاقة لإرسال الرسول ، وإنزال الكتاب ، لعدم النذير. بل هم في جهلهم يعمهون ، وفي ظلمة ضلالهم يترددون. فأنزلنا الكتاب عليك (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)