من ضلالهم ، فيعرفون الحق ويؤثرونه. وهذه الأشياء التي ذكرها الله ، كلها مناقضة لتكذيبهم له : وإنها تقتضي منهم الإيمان والتصديق التام به ، وهو كونه (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) وأنه (الْحَقُ) والحق مقبول على كل حال ، وأنه (لا رَيْبَ فِيهِ) بوجه من الوجوه. فليس فيه ، ما يوجب الريبة ، لا بخبر غير مطابق للواقع ، ولا بخفاء واشتباه معانيه. وأنهم في ضرورة وحاجة إلى الرسالة ، وأن فيه الهداية لكل خير وإحسان.
[٤] يخبر تعالى عن كمال قدرته بأنه (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها ، يوم الأحد ، وآخرها الجمعة ، مع قدرته على خلقها بلحظة ، ولكنه تعالى رفيق حكيم. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الذي هو سقف المخلوقات ، استواء يليق بجلاله. (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولاكم في أموركم ، فينفعكم (وَلا شَفِيعٍ) يشفع لكم ، إن توجه عليكم العقاب. (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) فتعلمون أن خالق الأرض والسموات ، المستوي على العرش العظيم ، الذي انفرد بتدبيركم ، وتوليكم ، وله الشفاعة كلها ، هو المستحق لجميع أنواع العبادة.
[٥] (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) القدري والأمر الشرعي ، الجميع هو المتفرد بتدبيره ، نازلة تلك التدابير من عند الملك القدير (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) فيسعد بها ويشقي ، ويغني ويفقر ، ويعزّ ، ويذلّ ، ويكرم ، ويهين ، ويرفع أقواما ، ويضع آخرين ، وينزّل الأرزاق. (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) أي : الأمر ينزل من عنده ، ويعرج إليه (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وهو يعرج إليه ، ويصله في لحظة.
[٦] (ذلِكَ) الذي خلق تلك المخلوقات العظيمة ، الذي استوى على العرش العظيم ، وانفرد بالتدابير في المملكة (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). فبسعة علمه ، وكمال عزته ، وعموم رحمته ، أوجدها ، وأودع فيها من المنافع ما أودع ، ولم يعسر عليه تدبيرها.
[٧] (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي : كل مخلوق خلقه الله ، فإن الله أحسن خلقه ، وخلقه خلقا يليق به ، ويوافقه ـ فهذا عام. ثم خص الآدمي لشرفه وفضله فقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) وذلك بخلق آدم عليهالسلام ، أبي البشر.
[٨] (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) أي : ذرية آدم ناشئة (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) وهو النطفة المستقذرة الضعيفة.
[٩] (ثُمَّ سَوَّاهُ) بلحمه ، وأعضائه ، وأعصابه ، وعروقه ، وأحسن خلقته ، ووضع كل عضو منه ، بالمحل الذي لا يليق به غيره. (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) بأن أرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح ، فيعود بإذن الله ، حيوانا ، بعد أن كان جمادا. (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أي : ما زال يعطيكم من المنافع شيئا فشيئا ، حتى أعطاكم السمع والأبصار (وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) الذي خلقكم وصوركم.
[١٠] أي : قال المكذبون بالبعث على وجه الاستبعاد : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي : بلينا وتمزقنا ، وتفرقنا في المواضع التي لا تعلم. (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : لمبعوثون بعثا جديدا. بزعمهم أن هذا من أبعد الأشياء ، وذلك