منها ، سأله عما أشكل عليه. وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان ، أن لا يبادر برده أو قبوله ، قبل الفراغ من ذلك الكلام ، ليتبين ما فيه من حق أو باطل ، وليفهمه فهما يتمكن فيه من الكلام فيه على وجه الصواب. وفيها : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما بين للأمة ألفاظ الوحي ، فإنه قد بين لهم معانيه.
[٢٠ ـ ٢١] أي : هذا الذي أوجب لكم الغفلة والإعراض عن وعظ الله وتذكيره أنكم (تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) وتسعون فيما يحصلها ، وفي لذاتها وشهواتها ، وتؤثرونها على الآخرة ، فتذرون العمل لها ؛ لأن الدنيا نعيمها ولذاتها عاجلة ، والإنسان مولع بحب العاجل ، والآخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم ، فلذلك غفلتم عنها ، وتركتموها ، كأنكم لم تخلقوا لها ، وكأن هذه الدار هي دار القرار ، التي تبذل فيها نفائس الأعمار ، ويسعى لها آناء الليل والنهار ، وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة ، وحصل من الخسار ما حصل. فلو آثرتم الآخرة على الدنيا ، ونظرتم العواقب نظر البصير العاقل ، لنجحتم ، وربحتم ربحا لا خسار معه ، وفزتم فوزا لا شقاء يصحبه.
[٢٢] ثمّ ذكر ما يدعو إلى إيثار الآخرة ، ببيان حال أهلها وتفاوتهم فيها ، فقال في جزاء المؤثرين للآخرة على الدنيا : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (٢٢) ، أي : حسنة بهية ، لها رونق ونور ، مما هم فيه من نعيم القلوب ، وبهجة النفوس ، ولذة الأرواح.
[٢٣] (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) أي : ينظرون إلى ربهم ، على حسب مراتبهم. ومنهم من ينظره كلّ يوم بكرة وعشيا ، ومنهم من ينظر كلّ جمعة مرة واحدة ، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم ، وجماله الباهر ، الذي ليس كمثله شيء ، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم ، وحصل لهم من اللذة والسرور ، ما لا يمكن التعبير عنه ، ونضرت وجوههم ، فازدادوا جمالا إلى جمالهم ، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا منهم. وقال في المؤثرين العاجلة على الآجلة :
[٢٤] (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) (٢٤) ، أي : معبسة كدرة ، خاشعة ذليلة
[٢٥] (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) ، أي :
عقوبة شديدة ، وعذاب أليم ، فلذلك تغيرت وجوههم وعبست.
[٢٦] يعظ تعالى عباده ، بذكر المحتضر حال السياق ، وأنه إذا بلغت روحه التراقي ، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر. فحينئذ يشتد الكرب ، ويطلب كلّ وسيلة وسبب ، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة.
[٢٧] ولهذا قال : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) (٢٧) ، أي : من يرقيه ، من الرقية ، لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية ، فتعلقوا بالأسباب الإلهية. ولكن القضاء والقدر ، إذا حتم وجاء فلا مرد له.
[٢٨] (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) (٢٨) للدنيا.
[٢٩] (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) (٢٩) ، أي : اجتمعت الشدائد ، والتفت ، وعظم الأمر وصعب الكرب ، وأريد أن تخرج الروح من البدن ، الذي ألفته ، ولم تزل معه ، فتساق إلى الله تعالى ، ليجازيها بأعمالها ويقررها بفعالها. فهذا الزجر الذي ذكره الله ، يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها ، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات ، لا يزال مستمرا على غيه ، وكفره وعناده.
[٣١ ـ ٣٢] (فَلا صَدَّقَ) ، أي : لا آمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره. (وَلا صَلَّى (٣٢) وَلكِنْ كَذَّبَ) بالحق في مقابلة التصديق (وَتَوَلَّى) عن الأمر والنهي ، هذا وهو