وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ، ومراغمة للحق.
[٥٢] وهذا هو الواقع ، ولهذا قال تعالى عنهم : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي : طردهم عن رحمته ، وأحل عليهم نقمته. (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي : يتولاه ، ويقوم بمصالحه ، ويحفظه عن المكاره ، هذا غاية الخذلان.
[٥٣] (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أي : فيفضلون من شاؤوا على من شاؤوا ، بمجرد أهوائهم ، فيكونون شركاء لله في تدبير المملكة. فلو كانوا كذلك ، لشحوا وبخلوا أشد البخل ، ولهذا قال : (فَإِذاً) أي : لو كان لهم نصيب من الملك (لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي : شيئا ، ولا قليلا. وهذا وصف لهم ، بشدة البخل ، على تقدير وجود ملكهم ، المشارك لملك الله. وأخرج هذا ، مخرج الاستفهام المتقرر إنكاره ، عند كل أحد.
[٥٤] (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي : هل الحامل لهم على قولهم ، كونهم شركاء لله ، فيفضلون من شاؤوا؟ أم الحامل لهم على ذلك ، الحسد للرسول وللمؤمنين ، على ما آتاهم الله من فضله؟ وذلك ليس ببدع ولا غريب ، على فضل الله. (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) وذلك ما أنعم الله به على إبراهيم وذريته ، من النبوة ، والكتاب ، والملك الذي أعطاه من أعطاه ، من أنبيائه ك «داود» و «سليمان». فإنعامه لم يزل مستمرا ، على عباده المؤمنين. فكيف ينكرون إنعامه ، بالنبوة ، والنصر ، والملك ، لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، أفضل الخلق ، وأجلهم ، وأعظمهم معرفة بالله ، وأخشاهم له؟
[٥٥] (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) أي : بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فنال بذلك السعادة الدنيوية ، والفلاح الأخروي. (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) عنادا ، وبغيا ، وصدا ، فحصل لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ، ما هو بعض آثار معاصيهم. (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) تسعر على من كفر بالله ، وجحد نبوة أنبيائه ، من اليهود ، والنصارى ، وغيرهم ، من أصناف الكفرة.
[٥٦] ولهذا قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) أي : عظيمة الوقود ، شديدة الحرارة. (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) أي : احترقت (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) أي : ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ. ولما تكرر منهم الكفر والعناد ، وصار وصفا لهم وسجية ؛ كرر ، عليهم العذاب جزاء وفاقا. ولهذا قال : (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي : له العزة العظيمة ، والحكمة في خلقه وأمره ، وثوابه وعقابه.
[٥٧] (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي : بالله ، وما أوجب الإيمان به (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الواجبات والمستحبات (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي : من الأخلاق الرذيلة ، والخلق الذميم ، ومما يكون من نساء الدنيا ، من كل دنس وعيب (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) أي : دائم الظل.
[٥٨] الأمانات ، كل ما ائتمن عليه الإنسان ، وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي : كاملة موفرة ، لا منقوصة ولا مبخوسة ، ولا ممطولا بها. ويدخل في ذلك ، أمانات الولايات والأموال ، والأسرار ؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء ، أن من ائتمن أمانة ؛ وجب عليه حفظها ، في حرز مثلها. قالوا : لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها ؛ فوجب ذلك. وفي قوله تعالى : (إِلى أَهْلِها) دلالة على أنها ، لا تدفع وتؤدى لغير