[٧٠] (قالُوا) متعجبين من دعوته ، ومخبرين له أنهم من المحال أن يطيعوه. (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) ، قبحهم الله ، جعلوا الأمر الذي هو أوجب الواجبات ، وأكمل الأمور من الأمور التي يعارضون بها ، ما وجدوا عليه آباءهم ، فقدموا ما عليه الآباء الضالون ، من الشرك وعبادة الأصنام ، على ما دعت إليه الرسل ، من توحيد الله وحده لا شريك له ، وكذبوا نبيهم ، وقالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وهذا الاستفتاح منهم على أنفسهم.
[٧١] (قالَ) لهم هود عليهالسلام : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) أي : لا بد من وقوعه ، فإنه قد انعقدت أسبابه ، وحان وقت الهلاك. (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي : كيف تجادلون على أمور ، لا حقائق لها ، وعلى أصنام سميتموها آلهة ، وهي لا شيء من الإلهية فيها ، ولا مثقال ذرة و (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) فإنها لو كانت صحيحة ، لأنزل الله بها سلطانا. فعدم إنزاله له ، دليل على بطلانها ، فإنه ما من مطلوب ومقصود ـ وخصوصا الأمور الكبار ـ إلا وقد بين الله فيها من الحجج ، ما يدل عليها ، ومن السلطان ، ما لا تخفى معه. (فَانْتَظِرُوا) ما يقع بكم من العقاب ، الذي وعدتكم به (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) وفرق بين الانتظارين ، انتظار من يخشى وقوع العقاب ، ومن يرجو من الله النصر والثواب ، ولهذا فتح الله بين الفريقين.
[٧٢] فقال : (فَأَنْجَيْناهُ) أي : هودا (وَالَّذِينَ) آمنوا (مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) فإنه الّذين هداهم للإيمان ، وجعل إيمانهم سببا ينالون به رحمته فأنجاهم برحمته. (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : استأصلناهم بالعذاب الشديد الذي لم يبق منهم أحدا ، وسلط الله عليهم الريح العقيم ، ما تذر من شيء أتت عليه ، إلا جعلته كالرميم ، فأهلكوا فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم فانظر كيف كان عاقبة المنذرين الّذين أقيمت عليهم الحجج ، فلم ينقادوا لها ، وأمروا بالإيمان ، فلم يؤمنوا فكان عاقبتهم الهلاك ، والخزي ، والفضيحة. (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ). وقال هنا : (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) بوجه من الوجوه ، بل وصفهم التكذيب والعناد ، ونعتهم ، الكبر والفساد.
[٧٣] أي : (وَ) أرسلنا (إِلى ثَمُودَ) القبيلة المعروفة الّذين كانوا يسكنون الحجر وما حوله ، من أرض الحجاز ، وجزيرة العرب. أرسل الله إليهم (أَخاهُمْ صالِحاً) نبيا يدعوهم ، إلى الإيمان والتوحيد وينهاهم عن الشرك والتنديد. (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) دعوته عليه الصلاة والسّلام من جنس دعوة إخوانه من المرسلين الأمر بعبادة الله ، وبيان أنه ليس للعباد ، إله غير الله. (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي خارق من خوارق العادات ، التي لا تكون إلا آية سماوية ، لا يقدر الناس عليها ، ثمّ فسرها بقوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) أي : هذه ناقة شريفة فاضلة لإضافتها إلى الله تعالى ، إضافة تشريف ، لكم فيها آية عظيمة. وقد ذكر وجه الآية في قوله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). وكان عندهم بئر كبيرة ، وهي المعروفة ببئر الناقة ، يتناوبونها ، هم