فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب ـ تذكر من أي باب أتي ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب الله عليه ، وما عليه من لوازم الإيمان ، فأبصر واستغفر الله تعالى ، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح ، والحسنات الكثيرة ، فرد شيطانه خاسئا حسيرا ، وقد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين ، وأولياؤهم ، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب ، لا يزالون يمدونهم في الغي ، ذنبا بعد ذنب ، ولا يقصرون عن ذلك.
فالشياطين لا تقتصر عنهم بالإغواء ، لأنها طمعت فيهم ، حين رأتهم سلسي القياد لها ، وهم لا يقصرون عن فعل الشر.
[٢٠٣] أي لا يزال هؤلاء المكذبون لك في تعنت وعناد ، ولو جاءتهم الآيات الدالة على الهدى والرشاد. فإذا جئتهم بشيء من الآيات الدالة على صدقك ، لم ينقادوا. (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) من آيات الاقتراح ، التي يعينونها (قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) أي : هلا اخترت الآية ، فصارت الآية الفلانية ، والمعجزة الفلانية كأنك أنت المنزل للآيات ، المدبر لجميع المخلوقات ، ولم يعلموا أنه ليس لك من الأمر شيء ، أو لو لا اخترعتها من نفسك. (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) فأنا عبد متبع ، مدبر ، والله تعالى هو الذي ينزل الآيات ويرسلها على حسب ما اقتضاه حمده وطلبته حكمته البالغة ، فإن أردتم آية ، لا تضمحل على تعاقب الأوقات ، وحجة لا تبطل في جميع الآنات. فإن (هذا) القرآن العظيم ، والذكر الحكيم (بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) يستبصر به في جميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الإنسانية ، وهو الدليل والمدلول ، فمن تفكر وتدبره ، علم أنه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبه قامت الحجة ، على كل من بلغه ، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. وإلا فمن آمن ، فهو (هُدىً) له من الضلال (وَرَحْمَةٌ) له من الشقاء ، فالمؤمن ، مهتد بالقرآن ، متبع له ، سعيد في دنياه وأخراه. وأما من لم يؤمن به ، فإنه ضال شقي ، في الدنيا والآخرة.
[٢٠٤] هذا الأمر عام في كل من سمع كتاب الله يتلى ، فإنه مأمور بالاستماع له والإنصات. والفرق بين الاستماع والإنصات ، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه. وأما الاستماع له ، فهو أن يلقي سمعه ، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع. فإن من لازم على هذين الأمرين ، حين يتلى كتاب الله ، فإنه ينال خيرا كثيرا ، وعلما غزيرا ، وإيمانا مستمرا متجددا ، وهدى متزايدا ، وبصيرة في دينه. ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما ، فدل ذلك على أن من تلي عليه الكتاب ، فلم يستمع له ولم ينصت ، أنه محروم الحظ ، من الرحمة ، قد فاته خير كثير. ومن أوكد ما يؤمر مستمع القرآن ، أنه يستمع له وينصت في الصلاة الجهرية إذا قرأ إمامه ، فإنه مأمور بالإنصات ، حتى إن أكثر العلماء يقولون : إن اشتغاله بالإنصات ، أولى من قراءته الفاتحة وغيرها.
[٢٠٥ ـ ٢٠٦] الذكر لله تعالى ، يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، ويكون بهما ، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله. فأمر الله ، عبده ورسوله محمدا أصلا ، وغيره تبعا ، بذكر ربه في نفسه أي : مخلصا خاليا. (تَضَرُّعاً) بلسانك ، مكررا لأنواع الذكر ، (وَخِيفَةً) في قلبك بأن تكون خائفا من الله ، وجل القلب منه ، خوفا أن يكون عملك غير مقبول. وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد ، في تكميل العمل وإصلاحه ، والنصح به. (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي : كن متوسطا ، لا تجهر بصلاتك ، ولا تخافت بها ، وابتغ بين ذلك سبيلا.